محكمة مصرية توقف ابتزاز الزوجات بقانون الطاعة

شارك الخبر

أصدرت محكمة أسرة في مصر قبل أيام حكما فريدا من نوعه بتطليق امرأة من زوجها الذي رفع ضدها دعوى يلزمها بالعودة إلى منزلها، فيما يعرف بـ”بيت الطاعة”، لكن المحكمة قضت بطلاق الزوجة بعد أن قدمت ما يثبت تعرضها لتصرفات مشينة من شريكها، في سابقة أن تحصل المرأة على الطلاق وهي محكوم عليها بتنفيذ حكم بالطاعة.

وضع القضاء حدا للتطبيق الحرفي لتشريعات عفا عليها الزمن، على رأسها “بيت الطاعة”، الذي كان يصب في صالح الرجال، وبات بإمكان كل سيدة تعاني من القهر على يد زوجها أن تستفيد من القاعدة القانونية التي أقرتها محكمة أسرة بالقاهرة وانتصرت فيها لزوجة بالحكم بتطليقها دون إلزام بالعودة لمنزل الزوجية.

ولأول مرة في تاريخ القضاء الأسري بمصر يُحكم لسيدة بالطلاق مع أن عليها حكم بالعودة لزوجها، مع احتفاظها بكامل حقوقها، بعد أن أثبتت الضرر المعنوي الذي وقع عليها ولجوء الزوج إلى إنذار الطاعة كحيلة للانتصار عليها، لكن الزوجة سارعت برفع دعوى طلاق للضرر وساندتها المحكمة وقضت بطلاقها.

ويعني بيت الطاعة في مصر أن الرجل يحق له استدعاء زوجته إلى منزله متى تركته لصعوبة أو استحالة العشرة، ويرفع ضدها دعوى قضائية لإلزامها بالعودة وعدم مغادرة البيت بذريعة الحفاظ على العلاقة الزوجية من الانهيار، لكن القضاء أقر قاعدة جديدة منصفة للنساء ضد تسلط بعض الرجال واستغلال بيت الطاعة بشكل سيء.

القضاء وضع حدا للتطبيق الحرفي لتشريعات عفا عليها الزمن، على رأسها “بيت الطاعة” الذي كان يصب في صالح الرجال

تعج المحاكم المصرية بقضايا الطاعة التي يقيمها رجال ضد زوجات تركن منزل الأسرة، وغالبا ما يحكم القاضي بعودة المرأة إلى زوجها استجابة لطلبه دون وقوف على الأسباب الحقيقية التي دفعتها للفرار منه، وما إذا كانت تتعرض للعنف والإهانة أم لجأت إلى هذا التصرف بلا مبررات.

يؤكد إنصاف محكمة الأسرة للنساء اللاتي تركن منزل الزوجية وجود تغير في عقيدة القضاء بأن قانون بيت الطاعة يساء استخدامه، لأن المرأة يصعب عليها التمرد بلا وجه حق، ويجب أن تكون هناك حكمة في تطبيق روح القانون وعدم الالتزام الحرفي بنصوص مجحفة.

ويبدو أن دوائر قضائية أصبحت على قناعة بأن استغلال بيت الطاعة كوسيلة للابتزاز بحاجة إلى وقفة صارمة، فبعض الزوجات يقمن برفع قضايا طلاق للضرر، ويبادر أزواجهن بطلبهن في بيت الطاعة عن طريق المحكمة وتستخدم بعض الحيل للإضرار بهن كي تخسر الزوجة للقضية ويتم الحكم ضدها.

ومن حيل الرجال أن يتم تسجيل عنوان وهمي لمقر سكن الزوجية كي لا يصل إخطار إنذار الطاعة للزوجة، فلا هي علمت به ورفضت العودة إلى المنزل، ولا نفذت الحكم في المدة القانونية المحددة بشهر فتسقط عنها النفقة وتعتبر ناشزا وتخسر حقوقها الزوجية، وهي ثغرة تطرقت لها محاكم الأسرة.

وفي بادئ الأمر، يتم توجيه إنذار طاعة للزوجة ومن حقها أن ترفضه خلال 30 يوما أو تعترض عليه لأسباب تراها مقنعة بما يستحيل معها العودة إلى المنزل، لكن في حالة عدم رد الزوجة من حق الزوج رفع دعوى نشوز، ويتحايل بعض الأزواج ويوجهون إنذار الطاعة على عنوان خاطئ عمدا لسكن الزوجية.

يلجأ القاضي الذي ينظر في القضية المرفوعة من جانب الزوج إلى سؤال الشهود والجيران حول الرجل وتصرفاته وسلوكياته لمقارنة أقوالهم بكلام الزوجة ومبررها للهروب، وأحيانا يقوم الزوج بشراء ذمم بعض الأشخاص كي يشهدوا لصالحه وتخسر المرأة القضية ويتم الحكم بإلزامها بالعودة إلى زوجها تطبيقا لقانون بيت الطاعة.

يعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن تغير نهج القضاء الأسري بالحكم لصالح طلاق المرأة التي يلزمها زوجها بالعودة إلى المنزل مستخدما سلام بيت الطاعة، نقطة تحول فارقة في حياة مصريات عجزن عن مقاضاة أزواجهن وطلبن الانفصال في هدوء دون تعرض للقهر والابتزاز والمساومة.

قرار صادمقرار صادم

ويشير هؤلاء المتخصصون إلى أن منح الزوجة حق التطليق مع أن عليها حكم بالطاعة يسرع عملية تحررها من سجن العلاقة الزوجية التي ترفض الاستمرار فيه، والميزة الأكبر أن القضاء أصبح يحكم لها بالاحتفاظ بكامل حقوقها، في حين أن الكثير من الرجال استخدموا الطاعة لإكراه المرأة على التنازل عن حقوقها.

قالت عبير سليمان، وهي باحثة أسرية وناشطة في قضايا المرأة بالقاهرة، إن تطليق المرأة المطلوبة في بيت الطاعة مع منحها حقوقها هو انتصار للنساء، لكن النقطة تكمن في إلغاء القانون نفسه، وعلى الجهة التشريعية أن تدرك أن أيّ قانون يخص الأسرة يُفترض أن يشارك في تحصين البناء العائلي وليس كسر المرأة أمام زوجها.

وأضافت لـ “العرب” أن هناك قناعة لدى بعض الرجال أن استمرار قانون الطاعة جزء من الكرامة والرجولة، وهذا تفكير رجعي، فمن غير المقبول أمام التطورات الحاصلة في المجتمع أن يتم قهر امرأة على العودة إلى المنزل بحكم قضائي، فهذا لا يؤسس إلى استقرار أسري أو مودة في العلاقة الزوجية.

وتبرهن بعض القضايا المنظورة أمام محاكم الأسرة في مصر أن فوائد بيت الطاعة على الاستقرار الأسري منعدمة، فالمرأة عندما تعود إلى بيت الزوجية بأمر قضائي تصبح محبطة وذليلة وفاقدة لذاتها، بينما القوانين يفترض أن تكون محصنة للكيان العائلي من التصدع والشقاق وتكرّس التعايش بشكل إنساني لا بأسلوب قهري.

منح الزوجة حق التطليق مع أن عليها حكم بالطاعة يسرع عملية تحررها من سجن العلاقة الزوجية التي ترفض الاستمرار فيه

مشكلة الكثير من النساء قبل صدور هذا الحكم مؤخرا أنهن كن يخشين ترك منزل الزوجية مهما تعرضن لضغوط واعتداءات حتى لا يترتب عن ذلك حكم قضائي بأنهن نواشز وتسقط حقوقهن إذا قررن الطلاق، ما يعكس لأي درجة توجد مظلة تشريعية حديثة تحتمي بها المصريات الراغبات في الطلاق دون طاعة.

وهناك قانون يسمح للزوجة المصرية بخلع زوجها وخسارة مستحقاتها دون أن تكون مضطرة للعودة منكسرة إلى بيت الطاعة، لكن ثمة نساء لا يمتلكن قدرات مادية أو جرأة على مقاضاة الزوج، بحكم العادات والتقاليد أو احتمال الوصمة المجتمعية التي قد تطالها إذا لجأت إلى هذا الخيار، والأهم أنها تخسر كل مستحقاتها.

وبعيدا عن مدى توافر شجاعة عند الزوجة لمقاضاة الرجل عندما يطلبها في بيت الطاعة، فإن ارتفاع عدد قضايا إلزام الزوجة بالعودة يعكس زيادة حالات العنف الزوجي من دون أن تستطيع المرأة إثباته بسهولة فتصبح مضطرة للعودة إلى البيت، والميزة التي اكتسبتها النساء في مصر أخيرا هي تحررهن بحماية قانونية.

ولا تزال منظمات نسائية في مصر تتمسك بإلغاء قانون بيت الطاعة كليا، خاصة أن القضاء اعترف بأنه يستخدم في انتهاك إنسانية الزوجات، مقابل أن يشعر الرجل بنشوة الانتصار وإلحاق هزيمة بشريكة حياته بعد إجبارها على العودة إلى المنزل، في حين لا توجد نصوص شرعية تبيح ذلك وطالب الأزهر بإلغاء القانون.

بقطع النظر عن مبررات أي رجل في التمسك بالعيش مع زوجة كارهة للبقاء معه، فالحكومة المصرية مطالبة أن تملك إرادة لإلغاء قانون الطاعة الذي أصبح مرفوضا من القضاء والمؤسسة الدينية وعموم النساء ومنظمات حقوقية، إذا ما أرادت وضع حد لقهر الزوجات والكف عن إكراههن على الحياة مع أزواجهن.