في ذكرى وفاته.. من هو مصطفى البارزاني الذي وصفه فاضل البراك بـ«الأسطورة والحقيقة»

شارك الخبر

منذ قرابة 3 عقود يتمتع إقليم كردستان العراق بنوع من الاستقلال ضمن الدولة العراقية. مكتسبات سياسية وأمنية كثيرة تحققت، كان الفضل فيها بحسب الأكراد لزعيمهم الملا مصطفى البارزاني الذي يطلق عليه لقب “أبو القضية الكردية”، وهو صاحب الفضل الأكبر في تغيير المعادلة الكردية العراقية.

ولادته ونشأته

ولد مصطفى بن محمد بن عبد السلام البارزاني في 14 مارس/آذار 1903 بمنطقة بارزان التي تقع على بعد 25 كيلومترا شمال شرق مدينة عقرة التابعة لمحافظة دهوك شمالي العراق، قرب أعالي نهر الزاب الكبير.

يقول أستاذ التاريخ الحديث الدكتور إبراهيم العلاف إن الأسرة البارزانية اكتسبت مكانة دينية في شمال العراق بمرور الزمن، إذ تنتمي إلى العالم الشيخ تاج الدين مؤسس المشيخة البارزانية، حيث إن نفوذ العائلة كان قد بدأ منذ عام 1825.

ويضيف العلاف أنه لم تمض سنوات طويلة على ولادة البارزاني حتى علم بقصة إعدام الدولة العثمانية لشقيقه الأكبر الشيخ عبد السلام في الموصل إثر تمرده على العثمانيين.

ويقول العلاف إن السلطات العراقية كانت قد اعتقلت البارزاني ووالدته وهو في سن صغيرة في سجن بمدينة الموصل (شمال العراق)، وبعد إطلاق سراحه وسراح والدته تتلمذ على يد أحد المشايخ، إذ درس القرآن الكريم والحديث النبوي والعقيدة والشريعة والفقه، بعدها أكمل دراسته الدينية في مدينة السليمانية.

يصف العلاف البارزاني بأنه كان شجاعا وذكيا وأحسن القنص والصيد منذ نشأته، كما أنه انغمس مبكرا في القضية الكردية وكرّس حياته لها من خلال نشأته مع أخيه وترؤسه للمباحثات مع الدولة العراقية إبان الاحتلال البريطاني للعراق.

صورة ضخمة للزعيم الكردي الراحل مصطفى البارزاني بقرية في دهوك (الفرنسية)

مسيرته السياسية والعسكرية

يذكر فاضل البرّاك في كتابه “مصطفى البارزاني الأسطورة والحقيقة” أن البارزاني اتجه للعمل السياسي والعسكري، وكان من المعجبين بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي في مدينة السليمانية ضد الاحتلال البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واحتلال الإنجليز للسليمانية والموصل عامي 1918 و1919.

ويضيف البرّاك في كتابه أن البارزاني كان على اتصال بحركة الشيخ سعيد بيران في تركيا عام 1920، وفي عام 1931 قام البارزاني بأول عمل سياسي له عندما أرسله أخوه محمد ممثلا عنه للتفاوض مع القوات العراقية والبريطانية، وبعدما أخفق الحوار قاد البارزاني قوة من المقاتلين للدفاع عن محور “ميركه سور شيروان” ضد قوة عسكرية عراقية كان من ضمنها الضابط بكر صدقي الذي قاد أول انقلاب بالعراق عام 1936.

ويذكر البراك أنه نتيجة لذلك الهجوم اتخذت الإدارة البريطانية حينها قرارا بمهاجمة مقر أحمد البارزاني وأخيه مصطفى، ثم انتهت العملية العسكرية بعد 5 أشهر بخسارتهما، فيضطر للهرب إلى تركيا في 22 يونيو/حزيران 1932.

أما العلاف فيضيف أنه في عام 1934 عاد البارزاني وأخوه للعراق بعد عفو الدولة عنهما، إلا أنهما نُفيا إلى جنوب العراق واستمر في المنفى قرابة 10 سنوات، بعدها نقلتهم الحكومة إلى مدينة السليمانية شمال شرق العراق.

ويتابع أنه في عام 1939 انخرط البارزاني في العمل مع تنظيم سري في السليمانية عُرف بـ”هيوا” وتعني “الأمل”، إلا أن حرب الدولة العراقية ضد التنظيم اضطره للهرب من السليمانية في يوليو/تموز 1943، وذلك وفق المؤرخ العلاف الذي أشار إلى عودته لمنطقته الأصلية بارزان في السنة ذاتها.

ونتيجة لشجاعة البارزاني، يتابع العلاف أنه كان على صلة بكل القيادات الكردية في المنطقة، بما فيها الموجودة في إيران، لذلك اختاره السياسي الكردي قاضي محمد وزيرا للدفاع في جمهورية مهاباد في إيران عام 1946 التي لم تمكث طويلا بفعل قضاء شاه إيران عليها خلال عام واحد.

أهم محطاته

كان من أبرز محطات البارزاني السياسية -وفق العلاف- تأسيسه في 16 أغسطس/آب 1946 الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث انتخب رئيسا له حتى وفاته، وتولى بعد قيادة الحزب ابنه مسعود البارزاني.

محطات سياسية كثيرة تلك التي مر بها مصطفى البارزاني في حياته، إذ يقول المحلل السياسي الكردي محمد زنكنة إن البارزاني لم يترك أية فرصة للسلام مع الحكومة العراقية إلا واستثمرها، مشيرا إلى مباحثاته مع رئيس الوزراء العراقي بالعهد الملكي نوري السعيد في أربعينيات القرن الماضي والتي أفضت إلى اتفاق أفشله البريطانيون الذين كانوا يحتلون العراق في حينها.

ويتابع زنكنة القول إن محاولات السلام مع الحكومات العراقية استمرت مع حكومة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأخيه عبد الرحمن عارف، وصولا إلى اتفاق 11 مارس/آذار 1970 الذي منح الأكراد حكما ذاتيا.

ويذهب في هذا المنحى السياسي الكردي المعروف محمود عثمان الذي رافق البارزاني بين عامي 1963 و1975 وكان مسؤوله الحزبي، حيث يصفه عثمان بأنه كان مهندس السلام مع الحكومة العراقية في اتفاقية 11 مارس 1970 للحكم الذاتي الكردي، التي كان عثمان رئيس الوفد الكردي فيها.

وعن أهم محطاته السياسية، يشير عثمان إلى أن أهمها كان دوره بوصفه رئيسا لأركان الجيش بجمهورية مهاباد في إيران، ثم ذهابه إلى الاتحاد السوفييتي مشيا على الأقدام بمسيرة استمرت 50 يوما في عام 1947، حيث بقي هناك حتى عام 1958 عندما عاد للعراق بعد ثورة 14 يوليو/تموز 1958 بعيد الانقلاب على الملكية.

ويؤكد عثمان -الذي كان طبيب البارزاني الخاص ومترجمه في لقاءاته الصحفية مع وسائل الإعلام الأجنبية- أنه كان يبحث عن السلام مع الحكومة العراقية لإدراكه مدى حاجة الأكراد والشعب العراقي لوقف القتال الدموي، إلا أن سياسة الحكومة العراقية آنذاك أفشلت الاتفاق مع البارزاني، وهو ما أدى لعودة القتال عام 1974، وفق قول السياسي عثمان.

وبالعودة إلى زنكنة، فإنه يرى أن تاريخ الشعب الكردي لم يشهد قائدا متحمسا لقضيته كمصطفى البارزاني، حيث كان يتمتع بعلاقات جيدة مع كثير من السياسيين العرب كالرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر والزعيم اللبناني كمال جنبلاط وملك الأردن الحسين بن طلال، فضلا عن مراسلاته مع ملك السعودية عبد العزيز آل سعود.

مرضه ووفاته

وبالعودة إلى السياسي الكردي محمود عثمان، فإنه يؤكد أن مصطفى البارزاني خرج من العراق إلى إيران بعد اتفاقية الجزائر بين البلدين عام 1975 والتي على أساسها تخلت إيران عن دعم أكراد العراق حينها، ثم بسبب مرضه بسرطان الرئة سافر إلى الولايات المتحدة ومكث فيها 4 سنوات حتى وفاته في 1 مارس/آذار 1979 في مستشفى جورج واشنطن.

مواقف كثيرة سلبية وإيجابية، تلك التي عُرضت عن حياة مصطفى البارزاني ومسيرته السياسية والعسكرية ودوره في حصول الأكراد على الحكم الذاتي، إلا أن جميع الآراء تتفق على أن البارزاني يعد أبا القضية الكردية ومؤسسها في العصر الحديث.

المصدر : الجزيرة