ملابس البالة مُسبِّب أساسي للاحترار العالمي

شارك الخبر

تصل الآلاف من بالات الملابس المستعملة الرخيصة والرديئة على متن القوارب والسفن إلى ساحل أفريقيا الذي يبلغ طوله 26 ألف كيلومتر ويشمل ما لا يقل عن 100 ميناء. وتعاني النظم البيئية في بلدان أفريقية، مثل نيجيريا وزيمبابوي ومدغشقر وأوغندا وكينيا، من الاختناق بالملابس الرخيصة ذات الجودة المنخفضة والملوثة للهواء والمسببة للانبعاثات، فهي تحتوي في العادة على ألياف بلاستيكية.

وتتكدّس كميات كبيرة من الملابس المستعملة ذات الجودة المنخفضة جدا والمعروفة باسم فاجيا، وهي كلمة سواحلية تعني مسح. ثم يقتنيها التجار بكميات كبيرة وكلفة زهيدة لتقطيعها إلى قطع صغيرة وبيعها خرقا صناعية. وتغذّي بعد ذلك الوقود الصناعي الذي يسبب تلوث الهواء والانبعاثات بشكل كبير.

ومن المقرر أن تنتهي عملية التقييم العالمية الأولى من نوعها في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28)، حيث تجتمع الدول وأصحاب المصلحة لتقييم التقدم نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس المناخية. وليس العالم على المسار الصحيح للحد من الاحترار إلى مستويات أقل من 1.5 درجة مئوية. وسبق أن تعرضت صناعة الأزياء لانتقادات شديدة.

وسرعان ما تحول البعض في هذا القطاع إلى الموضة المستدامة.

وقالت تيسا كالاهان، المؤسسة المشاركة لمؤسسة كيل لابز ورئيستها التنفيذية، “نحن مركز للحلول المستمدة من الطبيعة التي تركز على المناخ. نحن نساعد صناعة الأزياء والنسيج على التحول إلى اقتصاد دائري من خلال تطوير نطاق الألياف والخيوط الجديدة المصنوعة من الأعشاب البحرية وتوسيع هذه الأعمال”.

وأضافت “بدلا من اعتماد الأنظمة الموجودة اليوم مع التخفيف من آثارها، أصبحنا نعمل على مدّ سلسلة التوريد الحالية بمواد خام جديدة. وتعتبر الأعشاب البحرية وسيلة للحد من استخدام المياه، واستخدام الأراضي، والاستخدام الكيميائي الذي يجعل صناعة الأزياء ملوثة. نحن نعمل مع العلامات التجارية لمساعدتها على الانتقال إلى مستقبل أفضل وأنظف”.

وتعد شركة بروتيين إيفولوشن، الممثلة أيضا في كوب 28، أول شركة إعادة تدوير بيولوجية في الولايات المتحدة تمتلك تكنولوجيا معتمدة وخارطة طريق واضحة لسلسلة التوريد التي تتيح إنتاج البلاستيك من النفايات وليس الوقود الأحفوري. وتعتمد البلاستيك المعاد تدويره، مما يجعل اقتصادها البلاستيكي الدائري منخفض الكربون.

 

كم كبير من الملوثات

ويعتمد الاقتصاد الدائري على إدارة النفايات وتخفيف التلوث عبر الحفاظ على المنتجات والمواد قيد الاستخدام لفترة أطول، وتجديد النظم الطبيعية. وتشير الموضة الدائرية في صناعة الأزياء إلى نهج متجدد يضمن تصميم الملابس والمنسوجات وإنتاجها واستهلاكها مع مراعاة كبيرة للبيئة، وتقليل النفايات والتلوث، واستخدام الموارد الطبيعية.

وتشير أبحاث الأمم المتحدة إلى أن انبعاثات الغازات الدفيئة يجب أن تصل إلى ذروتها قبل 2025 على أقصى تقدير، وأن تنخفض بنسبة 43 في المئة بحلول 2030 للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما دون 1.5 درجة مئوية. وسيتسبب تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية في تأثيرات تغير المناخ الأكثر خطورة.

وتسبب الموضة السريعة، التي تشمل إنتاج كميات كبيرة من الملابس بسرعة، لكوكب الأرض أضرارا بالغة. ويستغل هذا القطاع العمال، ويسبب الضرر للحيوانات. وتتخلّص العائلات من 300 ألف طن متري من الملابس سنويا، وتُحرق نسبة 80 في المئة منه، وتتوجه 20 في المئة منه إلى مدافن النفايات.

ولم يعد تجاهل آثار الموضة السريعة ممكنا. ويُذكر أن صناعة النسيج مسؤولة عن 10 في المئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، وهو ما يزيد عن إجمالي انبعاثات الطيران والشحن الدولي مجتمعة. واستمع المندوبون خلال كوب 28 إلى آراء الجهات الفاعلة في صناعة الأزياء بشأن الخطوات التي يمكن اتخاذها لعكس تأثيرها السلبي على المناخ والأنظمة البيئية والصحية.

وقال مظفر كايهان، الرئيس التنفيذي لشركة سوكتاش تيكستيل، “أؤيد تسمية نشاطنا زراعة الأزياء. نحن نحاول زراعة القطن المتجدد وتحويله إلى أقمشة تُعتمد في صناعة الموضة. عملنا على هذا الأمر طوال السنوات الخمس الماضية، ونحاول أن ندفع مزارعي مناطقنا نحو النجاح في الزراعة المتجددة. وتكمن الفكرة في بناء أنظمة بيئية صحية ومرنة ومترابطة”.

وأكّد وعي شركته بقيمة النظم البيئية المترابطة ومرونتها، وأنها تهدف إلى التخلص من الآثار البيئية السلبية التي خلّفتها الزراعة الصناعية.

وقال روني غامزون، المؤسس المشارك والرئيس التجاري لشركة بيوفلاف،”نحن أول شركة في العالم تستخدم الفراء النباتي ليكون بديلا عن الحيوانات والفراء الاصطناعي وغيره. ونعمل مع العلامات التجارية للأزياء من أجل توفير المواد الأكثر أمانا واستدامة والمستمدة من الطبيعة. ويعتبر هذا هو الحل الأخلاقي والأخضر”.

وتحوّل التقارير الجديدة التركيز نحو الحاجة الملحة إلى توسيع نطاق الحلول الخضراء مع وصول انبعاثات الغازات الدفيئة إلى مستويات جديدة، وتراجع درجات الحرارة القياسية. وذكر تقرير “فجوة الانبعاثات 2023: سجل مكسور: درجات الحرارة تصل إلى مستويات قياسية جديدة، ويفشل العالم في خفض الانبعاثات (مرة أخرى)” أن العالم يتجه نحو ارتفاع في درجات حرارة تكسر أهداف اتفاق باريس إذا لم تقدم الدول أكثر مما وعدت به.

 

البيئة في بلدان أفريقية، مثل نيجيريا وزيمبابوي ومدغشقر وأوغندا، تعاني من الاختناق بالملابس الرخيصة منخفضة الجودة والملوثة للهواء
البيئة في بلدان أفريقية، مثل نيجيريا وزيمبابوي ومدغشقر وأوغندا، تعاني من الاختناق بالملابس الرخيصة منخفضة الجودة والملوثة للهواء

وقد ألهم اتفاق باريس العمل المناخي شبه العالمي ولعب دورا مركزيا في تحفيز العمل التعاوني حتى يتمكن العالم من معالجة أزمة المناخ. لكن التقييم العالمي يظهر أن تنفيذ اتفاق باريس غير معتمد في جميع المجالات وليس قائما في القطاع الذي ينبغي أن يركز عليه.

وستتخذ الحكومات قرارا بشأن التقييم العالمي في كوب 28. وسيمكن استغلال الحدث لتسريع الطموح في الجولة القادمة من خطط العمل المناخية المقرر إجراؤها في 2025. ويدعو التقييم إلى تحول في الأنظمة يشمل كامل المجتمع والاقتصاد بما يجعل مرونة المناخ والتنمية الوضع العادي ويتماشى مع انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة. ومن المرجح أن تعمل صناعة الأزياء على توسيع نطاق الحلول الخضراء وتساهم في الرحلة العالمية نحو صافي الانبعاثات الصفري.

وتتسبب الكميات الهائلة من الملابس المنتجة في أضرار جسيمة لكوكب الأرض والكائنات الحية التي تعيش عليه، لاسيما وأن هذه الصناعة تعتبر من بين أكثر الصناعات استنزافا للموارد الطبيعية والأكثر تلويثا للبيئة، إضافة إلى العبء الذي تسببه الملابس المستهلكة على البيئة بسبب تدني نسبة إعادة التدوير.

ويشير تقرير نشر على موقع مدرسة كولومبيا للمناخ إلى أن صناعة الأقمشة والملابس العالمية تستنزف الكثير من الموارد الطبيعية، فهي تستهلك على سبيل المثال 93 مليار متر مكعب من المياه النظيفة كل عام. ولتلبية حاجتها إلى الأقمشة يتم قطع 70 مليون طن من الأشجار كل عام. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2034، مما يزيد من تدمير الغابات في العالم.

وتعد صباغة الأقمشة، التي تستخدم مواد كيميائية سامة، مسؤولة عن 17 إلى 20 في المئة من التلوث بمياه الصرف الصحي، وقد تم العثور على 72 مادة كيميائية سامة في المياه المستخدمة في صباغة المنسوجات.

كما تحتوي 65 في المئة من جميع الملابس على مادة البوليستر، وهي نوع من البلاستيك مصنع من الوقود الأحفوري، يستهلك إنتاجه ما يقارب 70 مليون برميل من النفط كل عام. وتقدر بعض المصادر أن صناعة الملابس تسهم في زيادة الاحتباس الحراري لكونها مسؤولة عن 10 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان.

ويتواصل التأثير السلبي للملابس على البيئة حتى بعد استهلاكها والتخلص منها، وبحسب التقرير فإن أكثر من 80 في المئة من الملابس المُنتجة تنتهي في مكبات القمامة حيث تتحلل أو تُحرق. وأثناء التحلل أو الحرق تنبعث منها كميات كبيرة من الكربون والغازات السامة في الغلاف الجوي للأرض، مما يسهم بدوره في التلوث والاحتباس الحراري.

وبما أن نسبة إعادة التدوير لا تتجاوز 1 في المئة عالميا وأن الدول المتقدمة التي تنتج وتستهلك النسبة الكبرى من هذه الملابس تمنع قوانينها الإضرار ببيئتها، فإنها تتخلص من الملابس القديمة بتصديرها إلى البلدان النامية والفقيرة التي لا تتوفر فيها قوانين بيئية صارمة، حيث تبدأ حلقة جديدة من التلوث.