صحفيات وصحفيين غزة بين المهمة والرصاص

شارك الخبر

د.مثنى إبراهيم الطالقاني – أهمية التعريف بالسلامة الميدانية وأمن البيانات والصحة النفسية والجسدية وإدارة الضغوط بمقابل التحديات التي تواجه العمل الصحفي خلال الأزمات والطبيعة المتطورة لتغطية الحروب والصراعات المسلحة، هي واحدة من أصعب المهام التي يواجهها الصحفيون في العالم، لما تتضمنه من مخاطر جسدية وعاطفية كبيرة.

وعلى الرغم من أن الصحفيين بشكل عام يواجهون تحديات نفسية خلال تغطية الحروب، إلا أن هناك جوانب تعتبر أكثر إرهاقاً عاطفياً بالنسبة لهم، وتختلف هذه التجارب بشكل خاص بالنسبة للمراسلات الصحفيات.

إحدى التحديات الرئيسية التي تواجهها الصحفيات في تغطية الحروب هي التعامل مع النزاعات الجنسية والعنف الجنسي. في بعض الحالات، قد يتعرضن للتحرش الجنسي أو الاعتداءات الجنسية من قبل المسلحين أو الجهات المتحاربة، وهذا النوع من الاعتداءات يضيف تحدياً إضافياً للمراسلات النسائية، حيث يجدن أنفسهن في مواجهة الخطر المحدق على سلامتهن وفي الوقت نفسه يحاولن تقديم التغطية الصحفية اللازمة.

بالإضافة إلى ذلك، يواجهن تحديات أخرى مثل قلة الوصول إلى المصادر والمعلومات، وقيود الحركة والتنقل التي قد يفرضها النزاع عليهن، مما قد يتعذر عليهن الوصول إلى المناطق المتنازع عليها أو تغطية جوانب محددة من النزاع بسبب القيود التي تفرضها الجهات المتحاربة أو الظروف الأمنية الخطيرة.

وهذا يعني أنهن قد يواجهن صعوبة في تقديم صورة كاملة وشاملة عن الوضع على الأرض.

و فيما يتعلق بالتصور النمطي لأدوار الإناث والذكور في الصحافة.. فهن أكثر عرضة لانتقادات أو تقييمات سلبية بسبب جنسهن، وقد يتعين عليهن التعامل مع الاحتجاجات المتعلقة بالمساواة وتمكين المرأة في بيئات العمل الصحفية والإعلام بشكل عام.

وهذا لايعكس طبيعة الصحفيات النساء لما لديهن من المهارات والقدرات التي يمكن أن تجعلهن مميزات في تغطية الحروب، فيمكنهن التواصل بشكل فعال مع النساء والأطفال الضحايا، وتساعد في رصد وتوثيق التحديات الخاصة التي يواجهونها… كما يمكنهن تسليط الضوء على قضايا نسائية مهمة ذات صلة بالنزاعات، مما يؤدي إلى تعزيز التوازن والتنوع في تغطية الأخبار.

أن الانطباعات النمطية حول أدوار الإناث والذكور في الصحافة ليست مستندة إلى واقع ملموس، فالصحفيات النساء قادرات على تقديم تغطية جيدة وشاملة للحروب، وتواجهن تحديات فريدة بناءً على جنسهن… لذا يتوجب علينا كزملاء صحفيين أن نقدر وندعم هذه الشريحة ونمكنها من خلال الدعم والاسناد والتعاون ونعمل على توفير بيئة عمل آمنة ومتكافئة لهن، سواء كانت بلداننا في حالة حرب أم لا، لأن صوتهن وتواجدهن ضروريان لتحقيق تغطية إعلامية شاملة ومتوازنة للأحداث العالمية.

حول هذا الأمر كانت لي مشاركة في الشهر الماضي في الندوة التي أقامها المركز الثقافي الفرنسي في عمان لبرنامج قريب بصفتي رئيس التحرير لشبكة “إنماز نيوز” واختصت بعض جلساتها حول الصحة النفسية واضطراب ما بعد الصدمة في الحروب، بمشاركة صحافيات وصحفيين من قطاع غزة والضفة الغربية اضافة الى صحفيين من لبنان والاردن والعراق.

صحافيات غزة هل غيرن النظرة النمطية للأدوار الاجتماعية حتى في الصحافة؟

تعتبر غزة منطقة تشهد صراعاً دائماً وتوتراً مستمراً، فالصحفيات في غزة يواجهن تحديات كثيرة كالقيود المفروضة على حرية التنقل والوصول إلى المصادر والمعلومات، قد يتعذر على الصحفيات الوصول إلى المناطق التي تشهد توتراً أو التواجد في أماكن الأحداث بسبب الحواجز العسكرية أو الحصار المفروض على قطاع غزة.

وعلى هامش الندوة تحدثا كل من مراسلة الجزيرة في لبنان “كارمن جوخدار” والمصور “إيلي برخيا” عن نجاتهم بأعجوبة من موت حتمي بعد ان اصاب صاروخين اسرائيليين موقع التغطية الإعلامية في الخط الحدودي الفاصل بين جنوب لبنان والأراضي المحتلة، وكانت مداخلتي حول ما أذا أتخذت البعثة الإعلامية موقعاً أكثر اماناً هل ستواجون ذات الأذى الذي تعرضتم له، و كانت الإجابة نعم بالتأكيد سيتم أستهدافنا كون ان “الاحتلال الصهيوني” تعمد أستهدافنا رغم معرفته بأننا صحفيون، وأن هذا القصف أدى الى مقتل مصور وكالة رويترز “عصام عبدالله” وجرح مراسلة ومصور وكالة الصحافة الفرنسية، ولولا أنقاذنا لتم تصفية جميع الفريق الإعلامي بالأستهداف المباشر لنا كأفراد ولعربات البث المباشر، وهذا الفعل الذي اقدم عليه الاحتلال هو لردع كل الإعلام الحي الذي ينقل حقيقة مايجري هناك الى العالم.

وفي الجلسة الثانية حاورت الصحفية “خولة الخالدي” التي غطت حرب غزة على مدى أربعة أشهر لقناة العربية والحدث، قبل أن تتركهما متوجهة إلى مصر خوفاً على أولادها بعد التهديد بقصف منزلها.

خولة غازي تمثل شجاعة الصحافة في وجه التهديد والخط واجهت خولة تهديدات خطيرة واستهدافاً مباشراً من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال تغطيتها للأحداث في غزة.. بينما كانت تقوم بواجبها الصحفي بشجاعة واستقلالية، تعرضت هي وفريق العمل لتهديدات بالتصفية الجسدية، بالإضافة إلى تهديد بالقتل لأفراد عائلتها.

رغم هذه التهديدات الخطيرة، استمرت خولة في مواصلة تغطية الأحداث بإخلاص واستمرارية، مؤكدة على دور الصحافة في نقل الحقيقة وتوثيق الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.. بتقاريرها الموثوقة والشجاعة، نجحت في إيصال صوت الضحايا وتسليط الضوء على الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال.

تجسد خولة غازي روح الصمود والاستمرارية في وجه التهديدات والمخاطر، وتعكس شجاعة الصحافة في مواجهة الظلم والاضطهاد.. وبفضل تفانيها وإصرارها، استطاعت أن تكون صوتاً للمظلومين ودعامة للحق والعدالة في زمن الصمت والظلم..!

وأخيراً كانت هناك مداخلة مسجلة لإيقونة الإعلام الفلسطيني “وائل الدحدوح” مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة.
وائل الدحدوح ” قصة كفاح وصمود وتضحية”فكان صوت الحقيقة في وجه الدمار والفقدان.

وائل الدحدوح، وكما يعرفه كثيرون مراسل قناة الجزيرة، عاش تجربة فريدة ومأساوية خلال تغطيته للحرب في غزة.. بينما كان يقوم بواجبه الصحفي بشجاعة ومهنية، تعرض للخطر وأصيب مرتين وفقد العديد من أفراد عائلته ومنهم أبناءه الثلاث والكثير من زملائه الصحفيين جراء القصف الإسرائيلي المتعمد!.

وائل كان له دور مهم في نقل الحقيقة وتوثيق الأحداث في غزة، حيث قام بتغطية الأحداث بشجاعة وتفانٍ رغم التهديدات الدائمة التي كان يواجهها.. بتقاريره الواقعية والمؤثرة، نجح في إيصال صوت المدنيين الفلسطينيين المتأثرين بالحرب والدمار إلى العالم.

لكن الحرب لم تكن سوى بداية مأساته، جراء فقده أغلب أحبته من عائلته وأصدقاءه ومع ذلك، استمر في مواصلة عمله بإصرار وتصميم، محاولاً بذل كل ما في وسعه لتوثيق معاناة أهل غزة ونقلها إلى العالم بأكمله.

تجربة الدحدوح تجسد الصمود والتضحية التي يقدمها الصحفيون في مواجهة الظلم والاضطهاد، وتعكس الروح الإنسانية العظيمة التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات الصعبة.

وفي الختام، يجب أن ندرك أن حرية الصحافة وسلامة الصحفيين ليست فقط حقوقاً أساسية بل هي أيضاً ضرورة لبناء مجتمع ديمقراطي قوي ومزدهر.. لذا يجب أن نعمل معاً للحفاظ على هذه الحرية وحماية الصحفيين من المخاطر التي يواجهونها في ظل غياب القانون وأفلات مجرمي قوات الاحتلال من العقاب، فهذه مسؤلية كل الضمير الإنساني في هذا العالم.