مثنى إبراهيم الطالقاني – في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية، وما تتعرض له شعوبها من قهر ودمار، أصبح من الضروري أن نعيد النظر في المفهوم الذي طالما رددناه بأصوات عالية وفخر كبير: “العروبة”.
لقد تبين في السنوات الأخيرة أن العروبة ليست إلا كذبة كبرى، يتغنى بها في المؤتمرات والمحافل الدولية، بينما الحقيقة المرة تكشف عن خيانة وتخاذل واضحين من قبل قادة وحكام الدول العربية تجاه القضايا المصيرية التي تواجه شعوبهم.
لا يمكن النظر إلى الصمت العربي المخزي تجاه الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في فلسطين ولبنان إلا على أنه دليل صارخ على تواطؤ الحكام العرب مع الكيان الصهيوني.
فمنذ سنوات، وإسرائيل تمارس أفظع الجرائم ضد الإنسانية، من تدمير للمنازل وقتل للأطفال والنساء والشيوخ، ولم نجد من معظم الحكومات العربية سوى بيانات خجولة أو صمت مطبق، وكأنها غير معنية بما يحدث.
العروبة أكذوبة حينما نشاهد أبادة البلدان العربية في فلسطين ولبنان ليواجهون مصيرهم المأساوي تحت وابل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي التي لم تفرق بين البشر والحجر مستهدفة الوجود والهوية العربية .
نتسائل كيف تحولت الأنظمة العربية في هذا الوقت إلى مجرد أدوات في يد القوى الكبرى التي تتحكم في مصير المنطقة، ولا يهمها سوى الحفاظ على عروشها، ولو كان ذلك على حساب شعوبها وقضاياها وكرامتها؟.
فالصمت العربي تجاه المذابح التي ترتكبها إسرائيل ليس مجرد تخاذل، بل هو قبول ضمني بتلك الجرائم.
وكأن هؤلاء الحكام يقولون بصوت غير مسموع: “افعلوا ما شئتم، نحن لن نتدخل، طالما أن مصالحنا محمية.”
إن هذه الأنظمة التي تدعي الانتماء إلى العروبة، قد خانت هذا المفهوم عندما تخلت عن دعم الشعوب المقاومة في فلسطين ولبنان، وهي تدرك أن هذه الشعوب تمثل آخر خطوط الدفاع عن كرامة الأمة العربية والإسلامية.
ولكنها تفضل البقاء في مواقعها ولو كان الثمن هو تدمير تلك الشعوب التي تقاوم المشروع الصهيوني.
لكن وسط هذا الصمت العربي المهين، يجب أن نذكر موقف العراق، الذي على الرغم من كل التحديات التي يواجهها داخلياً وخارجياً، كان موقفه واضحاً وصريحاً في دعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في حريته وتقرير مصيره.
ولم تتوانى حكومة وشعب العراق في إدانة التوسع الصهيوني والجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين واللبنانيين وقدم العراق منذ أكتوبر العام الماضي مختلف المساعدات الطبية والغذائية المختلفة للشعبين لتخفيف معاناهم، ومجدداً تقف بغداد بجانب لبنان وكرامته في وجه العدوان الإسرائيلي الأخير على بيروت والجنوب بحملة دعم عرفت بـ”فزعة عراقية” تبنتها جميع القوى الوطنية والفعاليات الاجتماعية في العراق بعد دعوة المرجع الديني الأعلى أيه الله السيد السيستاني لإغاثة الشعب اللبناني الجريح وتقديم مايمكن لتخفيف المعاناة عنهم.
هذا الموقف العراقي هو استثناء نادر في زمن الخيانات والتخاذل، ويؤكد أن هناك شعوباً وأنظمة ما زالت تؤمن بأن العروبة الحقيقية هي الوقوف مع المظلوم، ومع كل من يدافع عن حقوقه وكرامته، لا الانحناء أمام الظلم.
لقد آن الأوان أن نكف عن ترديد الشعارات الفارغة، وأن نواجه الحقيقة؛ العروبة كما عرفناها في هذه الأنظمة لم تعد موجودة، وما بقي منها إلا الشعوب التي ما زالت تؤمن بالحق، وتقف إلى جانب المظلوم، في فلسطين ولبنان وكل مكان يعاني من ظلم الاحتلال والقهر.