الخال والعم.. تعيين الأقارب في المناصب العليا وإرهاق الدولة

شارك الخبر

د.محمد عبيد – العراق تخطى جميع الدول التي تعيش حالة عدم الاستقرار ، خاصة تلك التي تعاني من أزمات سياسية واقتصادية، تزايداً ملحوظاً في ظاهرة تعيين أقارب السياسيين في مناصب إدارية عليا. هذه الظاهرة التي قد تبدو في ظاهرها شأناً داخلياً أو شأناً عائلياً بسيطاً، إلا أنها في الواقع تُمثّل تهديداً كبيراً لكفاءة إدارة الدولة واستقرار مؤسساتها.

عندما يتولى مدير عام مسؤولية مؤسسة حكومية أو قطاع حيوي دون أن يمتلك المؤهلات اللازمة أو الخبرة المطلوبة، فإن النتيجة الحتمية هي الفشل في الإدارة. ولكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في عدم كفاءة هؤلاء المدراء فحسب، بل في كيف تم تعيينهم منذ البداية. السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: لماذا يتكرر تعيين الأقارب؟ وما هي الآثار التي قد تنجم عن ذلك على المدى البعيد؟

المحسوبية وتفشي الفساد

تعيين أقارب نواب أو مسؤولين سياسيين بارزين، حتى وإن كانوا يفتقرون لأبسط مفاهيم الإدارة، يعتبر أحد أوجه المحسوبية، وهي شكل من أشكال الفساد المؤسسي. هذا النوع من الفساد يعمّق الفجوة بين الكفاءات القادرة على تحقيق الإنجازات وبين أولئك الذين وصلوا إلى مواقع المسؤولية بفضل علاقاتهم وليس بفضل مؤهلاتهم.

العم أو الخال الذي يشغل منصباً إدارياً دون خبرة كافية لن يتمكن من اتخاذ القرارات الصائبة أو إدارة الأمور بكفاءة. بل إن عدم معرفته بأبسط مبادئ الإدارة سيجعل المؤسسة التي يرأسها عاجزة عن تحقيق أهدافها. والأسوأ من ذلك، أن مثل هذه التعيينات غالباً ما تُنتج بيئة من الإحباط لدى الموظفين الأكفاء الذين يجدون أنفسهم تحت إدارة أشخاص لا يعرفون شيئاً عن طبيعة عملهم.

انهيار الدولة: من الفساد الإداري إلى فشل المؤسسات

عندما تتراكم هذه التعيينات غير الكفؤة في مختلف مؤسسات الدولة، يصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل، أن تعمل الدولة بفاعلية. فالمسألة لا تقتصر على شخص أو اثنين، بل تتحول إلى ظاهرة تتغلغل في كافة القطاعات، مما يؤدي إلى انهيار شامل في الأداء الحكومي.

هذا الانهيار يظهر على عدة مستويات. أولاً، تفقد المؤسسات العامة قدرتها على تقديم الخدمات بكفاءة. ثانياً، تضعف الثقة بين المواطنين والدولة، حيث يدرك الشعب أن المناصب القيادية تُمنح على أساس العلاقات الشخصية وليس الكفاءة. وأخيراً، تُستنزف موارد الدولة في مشروعات لا تُدار بكفاءة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
التأثير على الشباب والكفاءات

أحد أكبر الخاسرين من هذه الظاهرة هم الشباب والكفاءات الشابة التي تسعى للحصول على فرصها في العمل والإدارة. عندما يرون أن المناصب القيادية تُمنح لأقارب المسؤولين دون اعتبار للكفاءة، فإن ذلك يُحبطهم ويثنيهم عن تطوير أنفسهم. وفي نهاية المطاف، يتجه العديد منهم إلى الهجرة أو العمل في القطاع الخاص، مما يُفرغ القطاع الحكومي من الطاقات اللازمة لإصلاحه.

ماذا يمكن فعله؟

لمواجهة هذه الظاهرة، يجب على الدول أن تعتمد على أنظمة توظيف شفافة تعتمد على الكفاءة وليس العلاقات. كما ينبغي تعزيز دور المؤسسات الرقابية لضمان عدم استغلال السياسيين مناصبهم لتعيين أقاربهم في مواقع حساسة.

إن إصلاح الإدارة العامة يحتاج إلى إرادة سياسية قوية. تعيين المدراء والمسؤولين يجب أن يتم بناءً على معايير واضحة وموضوعية تتعلق بالكفاءة والخبرة. وإلا فإن الدولة ستظل تدفع ثمن المحسوبية والفساد الإداري، وهو ثمن باهظ قد يقود إلى انهيار شامل لا يمكن إصلاحه بسهولة.