بريكس 16 .. هيمنة الدولار الأميركي كيف وصلنا إلى هُنا؟

شارك الخبر

علي كريم إذهيب – تشهد مجموعة بريكس (BRICS) التي تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا، تطورات كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث تسعى هذه الدول إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية على الساحة العالمية. مع انعقاد القمة السادسة عشرة لبريكس، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كانت المجموعة قادرة على إنهاء هيمنة الدولار الأميركي، التي استمرت لعقود على الاقتصاد العالمي.

انطلقت فعاليات قمة “بريكس” في نسختها الـ16 بمدينة قازان الروسية، الثلاثاء، تحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلَين”، ومن المرتقب أن تستمر على مدار ثلاثة أيام، بمشاركة ممثلين من عشرات الدول. 

ويشارك في قمة “بريكس” هذا العام ممثلي 32 دولة منهم 24 رئيساً، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريتش، والرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يشارك بصفة ضيف. 

وتتشكل المجموعة حالياً من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، ومصر، وإيران، والإمارات، وإثيوبيا، فيما لا تزال السعودية تدرس العرض المقدم لانضمامها للتكتل ومدى مواءمتها لسياستها الداخلية، بحسب ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، لـ”الشرق” بعد انتهاء قمة جنوب إفريقيا العام الماضي. 

وعلى الرغم من ذلك، فإن المجموعة تأمل أن يتمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إزالة كافة العقبات أمام انضمام الرياض إليها. 

وتشارك السعودية في قمة قازان بوفد يترأسه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، الذي كان قد شارك في يونيو الماضي في اجتماع وزراء خارجية المجموعة في مدينة نينجني نوفجورد الروسية، تحت صفة “دولة مدعوة للانضمام لمجموعة بريكس”، وبحسب الخارجية السعودية ركز الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته على الأولويات والقضايا المشتركة وعلى رأسها المستجدات التي تشهدها المنطقة والمتمثلة باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومخاوف تمدد الصراع إلى مناطق أخرى.

هيمنة الدولار: كيف وصلنا إلى هنا؟

منذ الحرب العالمية الثانية، استطاع الدولار الأميركي ترسيخ نفسه كعملة الاحتياط الأولى في العالم، بفضل الاستقرار الاقتصادي للولايات المتحدة والنظام المالي العالمي الذي يعتمد بشكل كبير على الدولار. الدولار يستخدم في حوالي 60% من الاحتياطات النقدية العالمية، ويمثل نسبة كبيرة من المعاملات التجارية الدولية. هذا الدور المهيمن يعطي الولايات المتحدة تأثيراً اقتصادياً كبيراً ويسمح لها بفرض سياسات اقتصادية تعزز نفوذها.

بريكس ومحاولات الحد من هيمنة الدولار

تسعى دول بريكس منذ عدة سنوات إلى تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي من خلال تعزيز التجارة البينية بين دول المجموعة باستخدام العملات المحلية. هذه الجهود تشمل مبادرات لإنشاء مؤسسات مالية دولية موازية، مثل بنك التنمية الجديد (NDB) وصندوق احتياطي بريكس، وهي مؤسسات تهدف إلى تقليل الاعتماد على النظام المالي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

في القمة الأخيرة، تم طرح عدة مقترحات لتعزيز التعاون النقدي بين الدول الأعضاء، بما في ذلك إنشاء عملة مشتركة لبريكس. يهدف هذا الاقتراح إلى تسهيل التجارة البينية والاستثمارات وتقليل التعرض لمخاطر تقلبات أسعار الصرف والاعتماد المفرط على الدولار. ومع ذلك، فإن هذه الفكرة لا تزال في مراحلها الأولى، ولا توجد حتى الآن تفاصيل واضحة حول كيفية تنفيذها.

العقبات أمام إنهاء هيمنة الدولار

رغم جهود بريكس، هناك عدة عقبات تجعل من الصعب إنهاء هيمنة الدولار على المدى القصير:

1.استقرار الدولار: الدولار يستفيد من الاستقرار الاقتصادي والسياسي النسبي للولايات المتحدة، وهو ما يجعله الخيار المفضل للكثير من الدول والمستثمرين العالميين.

2.البنية التحتية المالية العالمية: المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تعتمد على الدولار في عملياتها، وهو ما يعزز دوره كعملة احتياط دولية.

3.ثقة المستثمرين: حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية، يلجأ المستثمرون إلى الدولار كملاذ آمن، وهو ما يزيد من قوته. لتحقيق تحول جذري في النظام المالي العالمي، سيتطلب الأمر بناء ثقة مماثلة في أي عملة بديلة.

4.الاختلافات بين دول بريكس: رغم التعاون الاقتصادي والسياسي بين دول بريكس، إلا أن هناك اختلافات كبيرة في السياسات الاقتصادية والأهداف الاستراتيجية لكل دولة. هذه الاختلافات تجعل من الصعب تنسيق جهود فعالة وسريعة لإنشاء عملة بديلة للدولار.

إلى أين تتجه بريكس؟

بالرغم من أن إنهاء هيمنة الدولار قد يكون بعيد المنال في الوقت الحالي، فإن جهود بريكس لتقليل الاعتماد على الدولار قد تؤدي إلى تغيير تدريجي في النظام المالي العالمي. قد نرى تعزيزًا لاستخدام العملات المحلية في التجارة البينية بين دول بريكس، وزيادة في الاستثمارات في البنية التحتية الاقتصادية المشتركة، ما يقلل من أهمية الدولار في بعض الجوانب الاقتصادية.

من جهة أخرى، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على عوامل عدة، بما في ذلك استقرار اقتصادات الدول الأعضاء في بريكس، وتعزيز التعاون المالي بينها، والتكيف مع التحديات الجيوسياسية العالمية. وحتى لو لم تنجح بريكس في إنهاء هيمنة الدولار بشكل كامل، فإن تأثيرها قد يؤدي إلى نظام مالي عالمي أكثر تنوعًا وتعددًا، حيث تلعب العملات الأخرى أدوارًا أكبر بجانب الدولار.

الخلاصة

بريكس 16 قد تكون خطوة جديدة نحو تغيير ميزان القوة الاقتصادية في العالم، لكن إنهاء هيمنة الدولار الأميركي ليس هدفًا يمكن تحقيقه على المدى القصير. ورغم أن المجموعة تسعى إلى تعزيز استخدام العملات المحلية والبحث عن بدائل للدولار، إلا أن الطريق نحو تحقيق هذا الهدف مليء بالتحديات. ولكن على المدى البعيد، قد تؤدي هذه الجهود إلى خلق نظام مالي أكثر توازنًا وتعددية، يكون فيه الدولار مجرد لاعب من بين العديد من العملات الأخرى.