علي كريم إذهيب – في السنوات الأخيرة، شهد العراق انتشارًا واسعًا لما يُعرف بالمجمعات السكنية العامودية والأفقية الحديثة، التي تُقدم على أنها مشاريع استثمارية تهدف إلى توفير مساكن راقية، وتحسين المستوى المعيشي للسكان. إلا أن هذه الظاهرة تحمل في طياتها الكثير من التساؤلات حول حقيقتها ودورها الفعلي في الاقتصاد العراقي وحياة المواطن البسيط.
رؤية عامة للمجمعات السكنية
تُبنى هذه المجمعات غالبًا بتمويل من الحكومة العراقية و ايضًا من شركات استثمارية أجنبية أو محلية، وتُسوق كمساحات سكنية فاخرة تُضاهي المعايير العالمية. يتميز تصميمها بالبنية التحتية المتطورة، والخدمات المتكاملة، من مراكز تسوق ومرافق ترفيهية، لكن تبقى هذه المزايا في متناول شريحة معينة من المجتمع، مما يطرح مشكلة عدم التوازن الطبقي والاجتماعي.
تحول السكن من حق إلى سلعة!
في ظل غياب سياسات إسكانية حكومية فعّالة تضمن حق السكن للمواطن البسيط، تحوّلت العقارات إلى سلعة تُباع بأسعار خيالية. المجمعات السكنية في العراق أصبحت واجهة للتفاخر والتباهي الطبقي، حيث يُستثنى معظم المواطنين من امتلاك وحدات فيها، بسبب أسعارها التي تفوق قدراتهم المالية.
الاقتصاد الريعي والاستثمار الوهمي
إن مفهوم “الاستثمار” هنا لا يعكس فائدة حقيقية للاقتصاد العراقي، بقدر ما هو شكل من أشكال الاقتصاد الريعي، حيث تذهب الأموال نحو مشاريع لا تُنتج قيمة اقتصادية مستدامة. فالاستثمار في المجمعات السكنية هو في جوهره عملية استهلاك لثروات البلاد دون خلق فرص حقيقية للتنمية، كالصناعات أو الزراعة أو التكنولوجيا.
التبعية الاقتصادية و”الاستعمار الجديد”
تتسم بعض مشاريع المجمعات السكنية بارتباطها بشركات أجنبية، سواء من حيث التمويل أو المواد المستخدمة في البناء. هذا الاعتماد على الشركات الأجنبية يُعمق التبعية الاقتصادية، ويُحوّل هذه المشاريع إلى نوع من الاستعمار الاقتصادي الذي يستنزف موارد العراق ويُعيد تدويرها خارج البلاد.
الأبعاد الاجتماعية للمجمعات السكنية
المجمعات السكنية تساهم في تعميق الفوارق الاجتماعية في العراق؛ فهي تُكرّس الانقسام بين الطبقة الغنية التي تعيش في مناطق فاخرة، والطبقة الفقيرة التي تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم. كما أنها تُهمل حاجة معظم المواطنين إلى حلول إسكانية ملائمة وبتكلفة معقولة.
استنزاف الأراضي وتهديد البيئة
تتطلب هذه المشاريع مساحات واسعة من الأراضي، تُستغل في بناء وحدات سكنية لا تُلبي حاجات الأغلبية. وفي كثير من الأحيان، تُقام على أراضٍ زراعية أو بيئية مهمة، مما يُسبب تدهورًا بيئيًا على المدى الطويل.
الحلول المطلوبة
لمواجهة هذه الظاهرة، يجب:
1. وضع سياسات إسكانية عادلة تضمن توفير مساكن بأسعار مناسبة لجميع الطبقات.
2. تشجيع الاستثمار المحلي الحقيقي الذي يُساهم في التنمية الاقتصادية، لا الاستهلاك الفاخر.
3. إعادة النظر في قوانين الاستثمار العقاري لمنع استغلال الثروات الوطنية من قبل الشركات الأجنبية.
4. تعزيز التخطيط العمراني بما يضمن توزيعًا متوازنًا للمشاريع الإسكانية في مختلف المناطق.
إن ما يُروّج له كاستثمار في قطاع الإسكان في العراق قد يكون، في الواقع، شكلًا من أشكال “الاستعمار الاقتصادي”، الذي يُعيد إنتاج التبعية ويُفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. إن الحل يكمن في تبني سياسات وطنية تهدف إلى تحقيق العدالة الإسكانية، وتشجيع الاستثمار في مشاريع تُسهم في التنمية المستدامة، بعيدًا عن نهج الاستهلاك الفاخر والتباهي الطبقي.