د. محمد عبيد – في عالم متسارع تحكمه وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد التأثير مقتصرًا على الساسة والمفكرين أو الشخصيات العامة التقليدية، بل ظهرت قوى جديدة تشكل الرأي العام وتحدد مسارات النقاش المجتمعي، من بين هؤلاء تبرز الناشطات المدنيات والفاشينستات، وعلى الرغم من الفارق الكبير بين طبيعة محتواهن ورسائلهن، إلا أنهن يشتركن في كثير من الأدوات والأساليب التي تجعلهن وجهين لعملة واحدة.
الناشطات المدنيات هن أصوات المجتمع، يحملن قضايا حقوقية، اجتماعية، أو بيئية، ويسعين للتأثير في السياسات وتوجيه الرأي العام نحو قضايا ذات أبعاد إنسانية وعادلة، أما الفاشينستات فهن أيقونات الموضة والجمال، يروجن لأحدث الصيحات ويشكلن مصدر إلهام في عالم الأزياء ونمط الحياة، للوهلة الأولى يبدو الفارق واضحًا بين الفريقين، لكن عند التعمق في طبيعة عمل كل منهما، نجد أن الأدوات المستخدمة والآليات المؤثرة تكاد تكون متطابقة.
كلتاهما تعتمدان على وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة رئيسية، فالناشطة تستغلها لنشر الوعي والترويج لأفكارها، بينما تستخدمها الفاشينستا لاستعراض أحدث صيحات الموضة وعرض أسلوب حياتها، في الحالتين، هناك جمهور واسع يتابع ويتفاعل، وهناك رسائل يتم تمريرها بقوة وذكاء. يعتمد الطرفان أيضًا على التفاعل المباشر مع الجمهور من خلال التعليقات والبث المباشر والمنشورات اليومية التي تخلق نوعًا من القرب العاطفي بين المؤثرة ومتابعيها، مما يعزز الثقة ويجعل تأثيرها أكثر فاعلية.
الجانب الاقتصادي حاضر بقوة في كلا المجالين، فقد أصبح التأثير الرقمي صناعة قائمة بذاتها، الناشطات المدنيات قد يحصلن على تمويل من منظمات غير حكومية أو جهات تدعم القضايا التي يدافعن عنها، بينما تعتمد الفاشينستات على الإعلانات والتسويق الإلكتروني كوسيلة للربح، في الحالتين، هناك منظومة مالية تدعم استمرارية التأثير وتجعله جزءًا من حركة اقتصادية أكبر.
الأهم من ذلك أن كلتاهما قادرتان على تشكيل الرأي العام، الناشطة المدنية تحشد المتابعين حول قضايا العدالة والمساواة والتغيير، بينما تخلق الفاشينستا توجهات جديدة في عالم الموضة والجمال، في النهاية، سواء كانت الرسالة سياسية أو اجتماعية أو ترفيهية، فإن التأثير يبقى العامل المشترك، كلاهما يستخدم نفوذه الرقمي لإحداث تغيير ما، سواء كان في مواقف الناس تجاه قضية معينة أو في أذواقهم وسلوكياتهم اليومية.
قد يختلف المحتوى لكن الأسلوب يبقى متشابها، وربما يكمن الفارق الحقيقي في الهدف النهائي لكل منهما، فالناشطات يسعين للتغيير المجتمعي، بينما الفاشينستات يركزن على التغيير في أسلوب الحياة، لكن في النهاية، كلاهما يمارس الدور نفسه، دور المؤثر القادر على صناعة توجهات جديدة، والتأثير في ملايين العقول بنقرة زر.