اللواء الدكتور سعد معن الموسوي – تشهد الساحة الرقمية العراقية تحولًا متسارعًا، حيث بلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي 34.3 مليون، ما يعادل 73.8% من إجمالي السكان، وفقًا لمركز الإعلام الرقمي (DMC) لهذا العام يعكس هذا النمو زيادة ملحوظة مقارنة بالعام الماضي (31.95 مليون)، ما يكشف عن تغيّر واضح في أنماط استهلاك المحتوى الرقمي. أبرز هذه التحولات تتمثل في صعود تيك توك، الذي استقطب 2.35 مليون مستخدم إضافي خلال عام واحد، ليصل إلى 34.3 مليون، في مقابل تراجع يوتيوب إلى 22.3 مليون بعد أن كان 22.8 مليون. فيسبوك شهد زيادة إلى 20.1 مليون، وكذلك إنستغرام (19 مليون)، بينما نما لينكدإن بشكل ملحوظ من 1.9 مليون إلى 2.3 مليون، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا بالتواصل المهني.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات عابرة، بل تعكس ديناميكية جديدة تفرض تساؤلات جوهرية حول طبيعة الاستهلاك الرقمي في العراق، ومدى تأثيره على وعي الأفراد وتوجهاتهم الفكرية. لم يعد الفضاء الرقمي مجرد ساحة للترفيه والتفاعل السريع، بل بات يمتلك سلطة ناعمة قادرة على تشكيل الإدراك الجمعي وإعادة توجيه بوصلة المعرفة. فحين يصبح المحتوى القصير أكثر جذبًا من الفيديوهات المطولة، وعندما يتراجع يوتيوب أمام تيك توك، فذلك ليس مجرد تفضيل شخصي، بل تحول ثقافي يعكس تسارع العصر، وانجذاب الأفراد نحو المعلومة السريعة والسياقات البصرية المشوقة.
لكن هذا التحول لا يعني بالضرورة انحدارًا في مستوى الوعي، بقدر ما هو فرصة لإعادة صياغة مفهوم المعرفة الرقمية. فبدلًا من ترك تيك توك مساحة للمحتوى العابر، يمكن استثماره في تقديم شروحات علمية سريعة، دروس في البرمجة، أو حتى تأملات فلسفية تلائم عقلية المستخدم الرقمي. التجربة العالمية أثبتت أن التعليم عبر الفيديوهات القصيرة قادر على جذب الملايين، فلماذا لا يكون العراق رائدًا في هذا المجال؟
على الجانب الآخر، يشير النمو الملحوظ لمنصة لينكدإن إلى وعي جديد يتشكل، حيث بات الشباب العراقي أكثر إدراكًا لأهمية بناء العلاقات المهنية واستغلال الفضاء الرقمي في البحث عن فرص العمل وتطوير المهارات. هذه الطفرة الرقمية تضعنا أمام مفترق طرق؛ فإما أن نبقى مستهلكين سلبيين لهذه المنصات، أو نحولها إلى أدوات لبناء جيل أكثر وعيًا ومسؤولية. إن التحدي الحقيقي لا يكمن في متابعة الأرقام، بل في تحويل هذه الطفرة الرقمية إلى نهضة فكرية ومعرفية تعيد تشكيل الواقع العراقي بما يواكب متطلبات العصر