يجب أن تكون «قوات الحشد الوطني»!

شارك الخبر

د.مثنى إبراهيم الطالقاني – لا يمكن أن ننسى تلك النخوة العراقية الأصيلة التي تجلت في لحظة فارقة من تاريخ العراق الحديث، حينما لبى رجال العراق الغيارى نداء المرجعية الدينية في فتوى الجهاد الكفائي، واندفعوا لتشكيل أفواج الحشد الشعبي للدفاع عن الأرض والعرض، وتحرير المدن من قبضة تنظيم داعش الإرهابي.
ذلك التنظيم لم يكن مجرد مجموعة مسلحة عابرة للحدود، بل أداة لمخططات مخابراتية إقليمية ودولية سعت إلى تدمير العراق وإغراقه في دوامة من الفوضى والعنف، بهدف تحويله إلى بؤرة إرهابية تهدد استقرار المنطقة برمتها.

لقد خاض الحشد الشعبي، إلى جانب باقي صنوف القوات المسلحة العراقية، من الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والبيشمركة، ملحمة بطولية في مواجهة الإرهاب بمعركة وجودية فرضتها ظروف استثنائية.
واجهوا عدواً مدعوماً لوجستياً واستخباراتياً من جهات دولية أرادت تمزيق العراق، إلا أن العراقيين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والوحدة الوطنية، حيث ساندت العشائر والقوى المجتمعية أبناء القوات المسلحة في معركة التحرير، التي انتهت بإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش واستعادة المدن التي احتلها.

اليوم، وبعد التحولات الخطيرة التي شهدتها المنطقة، لا سيما بعد حرب غزة في السابع من أكتوبر، وما تبعها من تصعيد في فلسطين ولبنان، ومع التغيرات الجيوسياسية التي عصفت بسوريا، باتت المخاوف تتزايد من تكرار سيناريو عام 2014 في العراق.

سقوط نظام بشار الأسد وفراغ الساحة السورية لصالح قوى إرهابية جديدة مكنتها الدولة العثمانية، أبرزها هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، الذي يعد مطلوباً للعدالة العراقية بسبب ارتباطاته بتنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة.
ومع سيطرة هذه الجماعات المسلحة على سوريا، عادت خطابات التحريض الطائفي لتتصدر المشهد، حيث انتشرت شعارات تهدد الأمن العراقي مباشرة، مثل “جاينك يا كربلاء”، ما يعكس نوايا واضحة لنقل الصراع إلى الداخل العراقي.
وما زاد من خطورة الوضع مؤخراً هو تنفيذ عمليات تطهير عرقي على أساس طائفي في الساحل السوري لمدينتي اللاذقية وطرطوس، والتي أكدت أن العراق أمام خطر إرهابي جديد قد يعبر حدوده مجدداً ما لم يكن هناك استعداد أمني واستراتيجي محكم.

كونني أكاديمياً مختصاً في العلاقات العامة والرأي العام، أرى أن العراق بحاجة إلى خطوة إصلاحية جوهرية في ملف إعادة هيكلة الحشد الشعبي كضرورة وطنية، ليس لتقليص دوره، بل لضمان استمراره كقوة وطنية منظمة.
وهنا، أقترح على الحكومة والبرلمان العراقي تبني الإجراءات الكفيلة بعدم التدخل الغربي والعربي بالشأن العراقي من خلال إعادة هيكلة الحشد الشعبي بحيث يتم تنظيمه ضمن إطار رسمي تحت مسمى “قوات الحشد الوطني العراقي”، ليكون مؤسسة أمنية وطنية مستقلة، بعيداً عن التجاذبات السياسية.
وإسناد المناصب القيادية إلى ضباط أكفاء وذوي خبرة من المؤسسة العسكرية، لضمان الاحترافية والانضباط داخل صفوفه.
وكذلك إحالة المقاتلين من كبار السن من منتسبي الحشد على التقاعد مع توفير امتيازات تليق بتضحياتهم، واستقطاب الطاقات الشابة المؤهلة التي يمكن تدريبها وفق أحدث المعايير العسكرية.
وأيضا إقرار قانون جديد ينظم عمل الحشد الوطني، بحيث تكون رواتبه وتمويله وتسليحه مماثلاً للقوات العراقية الأخرى، مما يضمن استقراره كقوة رديفة للجيش العراقي.
فضلاً عن رفض الضغوط الدولية والإقليمية التي تسعى لإنهاء دور الحشد الشعبي تحت ذرائع مختلفة، خصوصاً أن هذه المحاولات تأتي ضمن أجندة تخدم مصالح القوى المتحالفة مع الإرهاب.

لقد أثبتت التجربة العراقية خلال الـ 9 اعوام المنصرمة أن الحشد الشعبي كان صمام أمان العراق في أحلك الظروف، ولا يزال يشكل ركيزة أساسية في المنظومة الأمنية الوطنية.
ومن هنا، فإن تطويره وتحويله إلى “قوات الحشد الوطني العراقي” سيضمن استمراره كقوة نظامية مؤسساتية، قادرة على مواجهة أي تهديدات مستقبلية، وحماية سيادة العراق من كل الأخطار المحدقة به.