فدى الحاج
في مساء خريفي غائم، بعد غياب عاد الى مكان لطالما جمعه بإمرأة احبها حدّ الوجع، رغم خلو المكان، كانت رائحة عطرها ما زالت تسكن الجدران كأنها لم تغادر.
هناك بدأ الحواراليتيم مع الذكرى. مرّ على الأماكن التي شهدت ضحكاتهما، وسمع في خياله صوتها، واسترجع حواراتهما التي نقشها الزمن في قلبه.
جال في انحاء الغرفة، ثم اقترب من الطاولة، هناك كان فنجان القهوة الذي تركته قبل سنوات، لا يزال يحمل رائحة مختلطة بعبيرعطرها. وعلى الكرسي بجانبه شالها الملقى بعفوية، كأنه ينتظر ان يلمسه احدهم ليذكره بحنين العودة، جلس للحظة، وأغمض عينيه مستسلماً للذكريات التي تتدفق كنسيم خريفي،ليكتشف أن الحنين لا يترك القلب وحده أبدًا.
مشى نحو النافذة التي تطل على الشارع، حيث يجلس عازف الناي كل ليلة تحت الشرفة، واستحضر عطرها المفضل المعلق على الستارة، خرج مسرعاً الى المتجر ليشتري نفس النوع،عاد ووضعه في المكان ناثراً رائحته في الهواء،ثم اغلق الباب وخرج وكأنها تستقبله بحب واشتياق.
جلس بجانب الكرسي وامسك فنجان القهوة بيده، وبدأ يرسمفي الهواء تفاصيلها، وكأنه يحمل جزءاً من روحها بداخله،اجتاحه الحنين بالكامل، اذ بدأت بقايا القهوة تجف وتتلاشى كالرمل على الأرض، حاول جاهداً ان يجد تفسيراً،أي إشارة او علامة تدله انها ستطرق الباب وتدخل من جديد.
همّ بالخروج، وقف عند باب الغرفة، تنهد ببطء، دمعت عيناه ثم تبسم بخفة، شعر بأن قلبه يعرف الطريق دائماً، وأن الحب الذي ترك أثره هنا لا يموت، بل يربط بين الماضي والحاضر، بين الذكرى والفرح القادم.
غادر المكان ، مصطحباً معه الأمل، متيقناً ان الحياة مهما ابتعدت ستمنحه فرصة جديدة للحب واللقاء.

