إعداد: إنماز نيوز
في حدث وصفته الصحافة الأميركية بأنه “تحوّل تقدمي في قلب نيويورك”، فاز السياسي الشاب زهران ممداني بمنصب عمدة المدينة، ليصبح أول مسلم شيعي يتولى هذا المنصب في تاريخها الحديث.
ورغم تداول بعض وسائل الإعلام معلومات عن كونه “عراقي الأصل”، تؤكد السجلات الرسمية والسير الذاتية أنه من أصول أفريقية وهندية، وليس عراقياً كما أُشيع.
خلفية وأصول
وُلد زهران ممداني في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1991 في مدينة كمبالا بأوغندا، لأبٍ أكاديمي هو البروفيسور محمود ممداني، من أبرز المفكرين في الدراسات الأفريقية، وأمٍ هندية الأصل هي المخرجة السينمائية الشهيرة ميرا ناير.
انتقلت العائلة إلى الولايات المتحدة عندما كان زهران في السابعة من عمره، واستقروا في حي كوينز بمدينة نيويورك، حيث كبر وتشرّب تنوعها الثقافي والاجتماعي.
حصل على شهادة البكالوريوس في دراسات “الأفريكانا” من كلية Bowdoin عام 2014، وبدأ مسيرته المهنية كعامل اجتماعي يساعد الأسر الفقيرة على تجنب الإخلاء من مساكنها.
صعود سياسي سريع
في عام 2020، انتُخب ممداني عضواً في مجلس ولاية نيويورك عن الدائرة 36، ممثلاً حي “أستوريا”. ومن هناك بدأ يبرز كوجه تقدمي صريح، قريب من الشارع ومن التيار اليساري داخل الحزب الديمقراطي.
أعلن في نهاية 2024 ترشحه لمنصب عمدة نيويورك، وخاض حملة جماهيرية قادها شباب ومتطوعون من مختلف الخلفيات.
وفي منتصف 2025، حقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، ليصبح المرشح الأوفر حظاً والأكثر قبولاً في الأوساط الشعبية، قبل أن يعلن فوزه النهائي في تشرين الثاني الجاري.
برنامج يعتمد على العدالة المعيشية
يصف ممداني نفسه بأنه “اشتراكي ديمقراطي”، وركّز برنامجه الانتخابي على خفض كلفة المعيشة، وبناء وحدات سكنية ميسورة، وتوسيع النقل العام المجاني، إضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة.
من أبرز مقترحاته المثيرة للجدل: الحافلات المجانية، ومتاجر بقالة تملكها المدينة، وفرض ضرائب أعلى على أصحاب الدخول الكبيرة.
ورغم معارضة بعض القوى السياسية والاقتصادية لهذه التوجهات، حظي بدعم فئات واسعة من الشباب وذوي الدخل المحدود.
الهُوية والدين
ينتمي ممداني إلى الطائفة الشيعية الإثني عشرية، وقد صرّح مراراً بفخره بانتمائه الإسلامي، لكنه شدد على أن حملته “ليست دينية بل اجتماعية”، تستهدف تحقيق العدالة الاقتصادية لكل سكان المدينة بغض النظر عن انتماءاتهم.
ويُعد انتخابه حدثاً تاريخياً في بلدٍ لا يزال التمثيل الإسلامي فيه محدوداً على مستوى المناصب العليا.
قراءة عراقية في تجربة ممداني
يُثير صعود ممداني تساؤلات في الأوساط العربية والعراقية حول إمكانية بروز جيلٍ سياسي جديد يعتمد على خدمة الناس لا على الخطاب الطائفي أو الولاء الحزبي.
كما يمكن النظر إلى تجربته من زاوية اقتصادية: فبرنامجه يركّز على مواجهة الغلاء وتوسيع الدعم السكني — قضايا تشبه إلى حد بعيد التحديات التي يواجهها المواطن العراقي اليوم.
زهران ممداني ليس عراقياً كما يظن البعض، لكنه يحمل هويةً إنسانية جامعة، تجمع بين التنوع الثقافي والعدالة الاجتماعية.
إن فوزه بمنصب عمدة نيويورك يمثل رسالة مفادها أن السياسة الحديثة يمكن أن تُبنى على القيم والمبادئ أكثر من الأصول والانتماءات، وأن أصوات الشباب قادرة على تغيير ملامح المدن الكبرى كما تُغيّر قصص الأمل م

