سباق انتخابي على شعارات مستهلكة ومال فاسد

شارك الخبر

د.مثنى إبراهيم الطالقاني – شبكة إنماز نيوز

أيام قليلة تفصل العراقيين عن بدء الحملات الدعائية للانتخابات التشريعية، ومع اقتراب الموعد يتكرر المشهد ذاته الذي ألفه الشارع منذ أكثر من عقدين.

فالكثير من الأحزاب والقوى السياسية تستعد لطرح برامجها، لكن تلك البرامج لا تعدو كونها شعارات براقة مستهلكة: البناء، الإصلاح، الكرامة، المواطن، وهي عناوين رنانة طالما رفعتها القوائم الانتخابية منذ عام 2003، دون أن يجد المواطن العراقي أثراً ملموساً لها في حياته اليومية.

فالخدمات متراجعة والبطالة مستمرة والفساد ينخر في مؤسسات الدولة فيما يتكرس نظام المحاصصة كقاعدة ثابتة في توزيع المناصب والثروات.

الجديد القديم الذي يرافق هذه الانتخابات هو المال السياسي حيث رصدت فعاليات اجتماعية ومتابعون إنفاقاً هائلاً يقدر بمليارات الدنانير لشراء أصوات الناخبين بشكل مباشر.

وهنا يطرح السؤال: من أين تأتي هذه الأموال الضخمة؟ فميزانيات الأحزاب الرسمية محدودة، ولا تكفي لتغطية حملات بهذا الحجم الذي يوازي ميزانيات وزارات كاملة وربما يقارب أرقام الموازنة السنوية للعراق.
الإجابة لا تخرج عن قنوات تمويل غير معلنة، تبدأ من شبكات الفساد المحلية، ولا تنتهي لبعضهم عند الدعم الخارجي الساعي لترسيخ نفوذه السياسي داخل العراق.

وللتاريخ شواهد عديدة حولها ففي انتخابات 2010 أنفقت بعض الكتل مبالغ بمئات ملايين الدولارات ما دفع منظمات مثل شبكة عين والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى تسجيل عشرات الخروقات.
وفي 2014 انتشرت ظاهرة توزيع بطاقات شحن للهاتف ومواد غذائية وبطانيات لاستمالة الناخبين بينما شهدت انتخابات 2018 واحدة من أخطر الأزمات حين اعترفت المفوضية بوجود عمليات تزوير إلكتروني واسعة، ما أجبر البرلمان على إعادة العد اليدوي لآلاف الصناديق.

أما انتخابات 2021، فرغم إشراف الأمم المتحدة وتوصياتها، رُصدت حالات دفع مباشر للناخبين في بعض المحافظات، وأكد تقرير بعثة يونامي استمرار نفوذ المال السياسي.

إلى جانب المال تطل برأسها الورقة الطائفية، إذ تسعى بعض القوى إلى تعبئة الشارع بخطاب مناطقي ومذهبي يعيد إنتاج الانقسام، في محاولة لتوجيه الناخب بدافع الخوف على الهوية والوجود لا بدافع القناعة.
هذه الاستراتيجية، وإن أثبتت فشلها في بناء دولة مستقرة ما زالت تجد جمهوراً واسعاً يتأثر بها، الأمر الذي يكشف هشاشة الوعي السياسي لدى شريحة من الناخبين.

انعكاس هذه المعادلة يظهر بوضوح في نسب المشاركة المشكوك فيها على مختلف الدورات السابقة فلم تكن واصلة للعتبة القانونية والشرعية ولكن بقدرة الاحزاب تم تمشيتها واعلان نسبها كما في انتخابات 2010 بلغت النسبة 62%، لكنها تراجعت في 2014 إلى نحو 60%، أما 2018 فسجلت أدنى مشاركة منذ 2003 بنسبة 44%، ثم جاءت انتخابات 2021 لتؤكد انهيار الثقة بالعملية السياسية بنسبة لم تتجاوز 41%، وبالاحرى اعلى نسبة مشاركة لم تتجاوز 38% وهي أرقام صادمة تكشف عمق الفجوة بين الناخب وصندوق الاقتراع.

اليوم، يقف العراقيون أمام لحظة حاسمة: إما إعادة إنتاج نفس الطبقة السياسية بشعاراتها المكررة وأساليبها الملتوية، أو اتخاذ قرار وطني يضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار.
الرسالة التي ينبغي أن تصل من الشمال إلى الجنوب واضحة: لا تكونوا جسراً للفاسدين ولا أداة بيد المتلاعبين بمصيركم، فالعراق لن يُبنى بالمال الحرام ولا بالخطاب الطائفي، وإنما بوعي الناخب الذي يمنح صوته للأصلح والأجدر، وإن لم يتحقق هذا الوعي، فلن تكون الانتخابات المقبلة سوى وبال جديد يضاف إلى سلسلة خيبات متراكمة.