احببته رغم الشظايا

شارك الخبر

 

 

فدى الحاج – شبكة إنماز نيوز

لم تكن تعلم أن محادثة هاتفية ستفعل كل هذا، رغم صلابة شخصيتها وقوة إرادتها.

ذات يوم، قررت أن تذهب للمقهى لتحتسي قهوتها المرّة، هناك على جانب الطريق حيث أصوات المارة، لتكتب الشعر.

كان المكان خالي من رواده. جلست على المقعد تتأمل فنجانها، وإذ به ينظر اليها، يجلس وحيداً، بعينين حزينتين كأنه يبحث عن شيء ضاع من زمن.

إقترب منها بهدوء غير منتظم، سألها: إن كان المقعد المقابل شاغراً، ابتسمت بخفّة وأومأت له بالموافقة. جلس بصمت أول الأمر، ثم قال بصوتٍ خافت:

تبدين تكتبين الماضي بأبيات شعر، تفاجأت بسؤاله، لكن وجدت نفسها تجيبه.

ربما أكتب عن الماضي الذي يسكن الحاضرين.

ضحك بوجهها، لكن سرعان ما تغيرت ملامحه لحزن دفين، وبدأ يحدثها عن  المندن الذي عبرها، عن الحرب التي سرقت منه الأصدقاء،عن الجراح التي لم تندمل بعد،كانت تصغي اليه، وكأنها تشاهد الماضي في كلامه، صور متشعبة.

منذ ذلك اليوم، أصبح المقهى ملتقاهما، كانت تنتظره كل مساء، تجلس على نفس المقعد، بيدها القلم وتكتب.

أما هو فكان يأتي محملاً بتنقضاته، يوماً ساكناً كنسمة البحر، ويوماً مملوءاً بالعواصف، لم تكن تعرف أيهما الحقيقي.

مع مرور الوقت، شعرت بشيء يجعلها تتسائل هل هو يعاني من إنفصام،وأن الحرب لم تترك منه سوى بقايا حكايات قديمة.

لم تهرب، بل قررت أن تبقى، أن تحبه رغم الشظايا التي تسكنه، رغم الفوضى التي تعيش بداخله.

كانت تحاول أن تكون له مأمناً من الخوف، وطناً صغيراً يحتضن وجعه، كأنها تحاول إعادة بناء قلب قد تهدم . وكان يعدها أنه سيتغير، أنهم سيتعلم كيف يهدأ، لكنها كانت تشعر بأن وعوده ستذوب في منتصف الطريق، كثلج تلمسه أشعة الشمس.