عندما يفتقد الاحتواء

شارك الخبر

فدى الحاج

كانت معه دائماً، تصغي إلى صمته العميق، تسمع أنين ما يجتاحه من التعب، كانت تحيطه بحضورها كأنها غلاف دافئ لروحه المتشرذمة.

   لكن في يوم ما، قرر الانسحاب بهدوء من دون أي انذار.  

  هي التي كانت تنتظره لتعيد إليه ما فاتها من اللقاء، شعرت  بصوت خافت داخلها يناديها أن تمهلي، فليس هناك موعد بعد الآن.

   مرّت الساعات، وهي تحدّق في هاتفها، مترقبةً تلك الرسالة التي لم تصل، كأنه أراد أن يخبرها بأنه اختار أن يعيش برده وحده، لم تفهم أنه كان يريد البعد أو أنه كان يخشى حرارة اللقاء.

   أطفأت نور الغرفة، وجلست في صمت تحاول تبرير غيابه، مقنعة نفسها بأن التعب أثقله، وأن البعد هذه المرة لم يكن فراقًا، بل استراحة قلب مرهق.

   عادت إلى سريرها تتفقد رسالته الأخيرة، تتلمّس أحرفها كمن يمر على جرح قديم، ابتسمت والدموع تتلألأ في مقلتيها، والحزن يعتصر قلبها، حينذاك أدركت أنه لم يعد حتى لو انتظرته طويلًا.

   رفعت رأسها، مدّت يدها نحو القلم، ثم خطّت اسمه على ورقة بيضاء، ووضعت تحته ألف خط، لتثبت أن ما فعله كان متعمدًا، وأن احتواءها إيّاه يدل على حبّ لم يعد يجدي نفعًا.

   مشتت بخطوات هادئة، شعرت بنسيم مرّ على وجنتيها، كأنه يواسيها بصمته.  

   في لحظة صفاء، أدركت أنها لم تعد في حاجة إلى رسالة، ولا إلى أي وعد مؤجّل، فمن يرحل لا يأخذنا معه، بل يترك فينا مساحات فارغة نتعلم لاحقًا كيف نملأها بأنفسنا.

 ابتسمت لنفسها في المرآة، وهمست في سرها...كل ما فعلته ليس ندمًا، والقطار سيعود إلى محطته من جديد، لكنه لا يجد الوقود.