صوتك يرسم طريق الوطن.. انتخابات 2025 فرصة العراق لعبور النار إلى برّ الأمان

شارك الخبر

النائب زينب جمعة الموسوي

تقترب الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2025 في ظلّ مرحلة حساسة من تاريخ البلاد، مرحلة تتقاطع فيها التحديات مع الآمال، وتتصادم فيها مشاعر الإحباط مع بريق الفرصة الأخيرة.

فالانتخابات المقبلة ليست حدثًا سياسيًا عابرًا، بل محطة فاصلة يمكن أن تحدد وجه العراق لعقدٍ قادم، إمّا أن تكون جسرًا نحو برّ الأمان والإصلاح، أو تكرارًا لدائرة الأزمات التي أثقلت كاهل المواطنين لسنوات طويلة.

منذ عام 2003 والعراقيون يشاركون في دورات انتخابية متعاقبة، لكنّ التجربة، رغم ما حملته من مكتسبات ديمقراطية، لم تصل بعد إلى النضج الكامل. إذ ما زال الشارع العراقي يواجه أسئلة عميقة عن جدوى المشاركة، ومدى قدرة صناديق الاقتراع على صناعة التغيير الحقيقي.

لكن الحقيقة الثابتة التي لا يمكن إنكارها هي أن الانتخابات تبقى الوسيلة الأهم للتعبير عن الإرادة الشعبية، والآلية الوحيدة التي تمنح المواطن فرصة لتصحيح المسار، ومحاسبة من قصّر، وتجديد الثقة بمن يستحقها.

إنّ العراق اليوم يقف على مفترق طرق. فإما أن يستمر في الدائرة المفرغة ذاتها من الفساد والتجاذبات، أو يخطو بثقة نحو بناء دولة مؤسسات قادرة على النهوض بالاقتصاد والخدمات والتعليم والأمن. وهذا الطريق لا يُفتح إلا عبر بوابة واحدة: المشاركة الواعية في الانتخابات.

فالعزوف لا يُعاقب الفاسدين، بل يمنحهم فرصة جديدة. أمّا المشاركة الواعية، فهي التي تقطع الطريق على من يتاجر بمصير الناس، وتفتح الأفق أمام الكفاءات الوطنية التي تؤمن بأن العمل السياسي خدمة لا غنيمة.

إنّ أهمية انتخابات 2025 تكمن في كونها ليست مجرد تنافسٍ على مقاعد البرلمان، بل صراع بين رؤيتين لمستقبل العراق: رؤية تريد أن تُبقي الوضع كما هو عليه، قائمة على المحاصصة والولاءات الضيقة، ورؤية أخرى تسعى لإقامة دولة عادلة، قائمة على النزاهة والكفاءة وسيادة القانون.

ومن هنا تأتي أهمية أن يكون التصويت قائمًا على الوعي، لا على العاطفة أو الانتماء الضيق. فالمواطن، حين يختار الأكفأ والأصلح والأكثر نزاهة، لا ينتخب شخصًا فحسب، بل ينتخب مشروعًا وضميرًا ومسارًا وطنيًا.

لقد أفرزت السنوات الماضية دروسًا قاسية، كشفت أن ترك صناديق الاقتراع للآخرين يعني التنازل عن الحق في المحاسبة والاعتراض. فمن لم يشارك في صناعة القرار، سيجد نفسه دائمًا ضحية لقرارات لم يشارك فيها.

لذلك، فإنّ الدعوة إلى المشاركة ليست نداءً سياسيًا، بل صرخة وعي وواجب وطني. لأن مستقبل العراق لا يُرسم في المكاتب المغلقة، بل يُكتب في لحظةٍ يضع فيها المواطن ورقته في الصندوق، مؤمنًا بأنّ صوته أقوى من المال والسلاح والنفوذ.

إنّ التحول الذي ينتظره العراقيون لا يمكن أن يتحقق بين ليلةٍ وضحاها، لكنه يبدأ بخطوة صغيرة نحو الطريق الصحيح. فكل صوتٍ شريفٍ هو لبنة في بناء عراق قوي، وكل ورقةٍ تُدلى بضميرٍ نزيهٍ هي رصاصة في صدر الفساد.

وعندما تتوحد إرادة الناس حول هدفٍ وطنيٍّ واحد، يمكن عندها للعراق أن يعبر النار التي أحرقته طويلًا، ليصل إلى برّ الأمان والاستقرار.

العراق يمتلك طاقات بشرية هائلة، وشبابًا طموحًا يرفض البقاء على الهامش. وهؤلاء الشباب هم الرهان الحقيقي في انتخابات 2025، لأنهم الأكثر رغبة في التغيير، والأكثر قدرة على تجاوز الانقسامات القديمة.

ومن هنا تأتي ضرورة أن يكون لهم الصوت الأعلى في هذه المعركة الانتخابية، لأنهم الجيل الذي سيدفع ثمن القرارات المقبلة، ولأنهم الجيل الذي يستطيع أن يقول: كفى.

أما على المستوى السياسي، فإن البرلمان المقبل سيكون أمام تحديات كبرى تتعلق بملفات الأمن، والاقتصاد، والعلاقات الخارجية، وإعادة الثقة بين المواطن والدولة. فنجاح البرلمان في أداء دوره الرقابي والتشريعي مرهون بنوعية من يصل إليه، لا بعدد المقاعد أو حجم الكتل.

ولذلك فإن صوت الناخب اليوم هو الذي سيحدد شكل السلطة غدًا، إما سلطة تستجيب لطموحات الناس، أو أخرى تواصل الدوران في حلقة الوعود الفارغة.

إنّ الطريق إلى التغيير ليس سهلًا، لكنه ممكن، حين يؤمن المواطن بأن الورقة التي يحملها يوم التصويت تساوي وطنًا كاملًا. فكل صوت نزيه هو إعلان ولاء للعراق أولًا، وكل مشاركة واعية هي خطوة نحو عراقٍ أكثر استقرارًا وعدلاً.

وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيغتنم العراقيون هذه الفرصة التاريخية ليكتبوا فصلاً جديدًا من مستقبلهم؟

الجواب سيكون في صناديق الاقتراع، وفي الوعي الذي سيحمله كل مواطن وهو يقرر أن صوته ليس مجرد رقم، بل طريقٌ يُرسم به مستقبل الوطن.