مرقد لا يُدفن: ثمانية قرون من التهديم والصمود في ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)

شارك الخبر

خاص – في قلب كربلاء، يرقد الإمام الحسين عليه السلام، ذلك الرمز الذي لم تتوقف محاولات طمس أثره، ولا خمدت نار الكراهية تجاه قضيته منذ لحظة استشهاده. وبينما يرتفع البناء اليوم شامخًا في كربلاء المقدسة، فإن وراء كل حجر فيه حكاية دمار وإصرار، تهديم وبناء، كأن القبر نفسه ينهض بعد كل مرة ليقول: “هيهات منّا الذلة!”

الهدم الأول: العباسيون وبدايات التهديد

بعد سنوات قليلة من واقعة كربلاء، بدأ مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) يتحوّل إلى مزار تتقاطر إليه قلوب المظلومين. لكن هذا الحضور أثار حفيظة خلفاء الدولة العباسية، لا سيما المنصور العباسي الذي أمر بهدم أول بناء على القبر الشريف في عام 146هـ.
ثم تكرّر الفعل في عهد هارون الرشيد سنة 193هـ، حيث أُزيل القبر واقتُلعت السدرة التي كانت علامة دالة عليه، في محاولة لمحو أي أثر مادي للثورة الحسينية.

زمن المتوكل: أربعة هجمات بوحشية مذهلة

يُعتبر المتوكل العباسي من أكثر من لاحقوا المرقد الحسيني بعنف غير مسبوق.
في فترة حكمه (233–247هـ)، هُدم القبر أربع مرات، أشهرها ما جرى في سنة 236هـ، حين أمر بحرث الأرض، وجعل الجند يراقبونها لمنع الزائرين، بل وُضع من يقتل كل من يأتي للتبرك أو الصلاة هناك.
لكن في كل مرة، كان الزوّار يضعون علامات خفية، وكان الأهالي يعيدون البناء سرًّا.

الهجوم الوهابي على كربلاء (1802م)

في واحدة من أبشع المجازر في العصر الحديث، هاجم الوهابيون كربلاء عام 1802م (1216هـ)، وقاموا بهدم المرقد الشريف وسرقة خزائنه، وقتل الآلاف من المدنيين، بما فيهم زائرون من إيران وأفغانستان والعراق.
هذه الحادثة ليست فقط تخريبًا عمرانيًا، بل محاولة عقائدية لمحو مبدأ زيارة القبور وتاريخ آل البيت من جذوره.

الهدم في العصر الحديث: نظام صدام وهجمات الإرهاب

في أعقاب الانتفاضة الشعبانية عام 1991م، تعرّض مرقد الإمام الحسين إلى دمار واسع على يد النظام البعثي.
ثم جاءت تفجيرات 2004 و2007 الإرهابية، التي استهدفت الزائرين والمحيط القريب من الحرم، وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية، ضمن محاولات زرع الرعب وتقويض رمز الوحدة الشيعية.

صمود البناء وبعث الروح

رغم كل هذه المحاولات، لم يتوقف عشّاق الحسين عن إعادة البناء.
من عهد الصفويين إلى العصر الحديث، ومن دعم المرجعيات في النجف إلى الجهود الحكومية والدولية، أُعيد تشييد القبة الذهبية، وزُيّنت بأبهى الزخارف، وتحوّل المرقد إلى مركز عالمي للزيارة والتأمل والمقاومة الروحية.

ملخص عدد مرات التهديم:

الحقبةالجهة الفاعلةعدد مرات التهديم
العصر العباسي المبكرالمنصور & هارون الرشيد2
عصر المتوكلالمتوكل العباسي4
الغزو الوهابيالدولة السعودية الأولى1
العصر البعثي والإرهابصدام & جماعات متطرفة2

المجموع التقريبي: 🔟 مرات بين تهديم كلي وجزئي.

الحسين لا يُمحى

ليس تهديم القبر مجرد حدث عمراني، بل معركة أيديولوجية ضد فكرة الثورة على الظلم.
وكلما سقط حجر من الضريح، ارتفع في قلوب الملايين من العرب والمسلمين معنى جديد للحسين: رمزًا للحق، وعدالةً لا تُهدم، وثأرًا لا يهدأ.