وشمٌ لم يتلاشَ

شارك الخبر

   فدى الحاج

لم يكن مجرد حبر على الجلد، كان وعداً صامتاً، واعترافاً لم يقل.

في لحظة جنون، قرر ان يخلدها بطريقة لا تزول، لم يجد امامه سوى ان ينقش اسمها على صدره وشماً سرياً لا تعلم به، كأنه أراد ان يخبئها في مكان يلامس قلبه، حيث لا يصل اليه احد.

مرت الأيام، تغيرت الوجوه، اشتد البعد، وتفرقت الطرقات، الا ذلك الأثر، فكلما حاول نسيانها وغابت صورتها عن ذهنه، عاد الحبر يشتعل تحت جلده، كأنه يذكره ان الحب لا يمحى بالحروف حتى وان غابت عن الأنظار.

لم يكن يبحث عن زينة او جمال، لكن القصة كانت تقوده نحو خلود ذكرى ترافقه مدى الحياة.

عند منتصف كل ليل، يقف متحيراً بين ما كان وما سيكون، بعد خلو أيامه من وجودها، وفقدان طفولتها المجنونة التي لا تخلو من الضحكات البريئة.

هناك حين تنطفئ الأضواء، وينسدل الظلام، يبدأ الاسم ينبض على جلده، كأن قلب اخر لا يريد التوقف.

وفي يوم من الأيام قرر ان ينهي الامر! فذهب الى عيادة لإزالة الوشوم، جلس امام الطبيب بصمت وهو يرتعش، حين سأله الطبيب بهدوء: هل انت متأكد انك تريد ازالته؟

اغرورقت عيناه بالدموع ولم يجب!

نظر الى المرآة في يد الطبيب، شاهد الحروف التي عاش معها عمراً، شعر انها تنظر اليه للمرة الأخيرة.

حين بدأ الضو الأبيض يلامس جلده، صعدت الى ذاكرته، رائحة المطر، صوت ضحكتها، بريق عينيها.

فأوقف الطبيب فجأة بصوت يرتجف قائلاً.

كفى…..

نهض، وخرج مسرعاً دون ان يلتفت….

لم يُمحَ الوشم كلياً، ولم يجدها كما كانت، لكنها ايضاً لم تختف، بقيت منه ظلال خفيفة تشبه الندبة.

ابتسم قليلاً، مدركًا أخيرًا أن بعض الأشياء لا يُمكن محوها،لانها ليست مجرد حروف، بل قطعة من الحياة نفسها، ونداء للحب الذي لا يموت، ولو غابت الأجساد والوجوه، يبقى ما يختلجه القلب لا يشعر به الا القلب.