من «1979 إلى 2003» .. شكّل سقوط صدام حسين تحوّلًا كبيرًا في مسار العراق والمنطقة

شارك الخبر

في 9 أبريل/ نيسان 2003، شهد العالم منعطفًا مهمًا في تاريخ الشرق الأوسط، حين سقطت العاصمة العراقية بغداد بشكل مفاجئ، بل صادم على يد القوات الأميركية، التي أنهت حكم الرئيس صدام حسين بعد أكثر من عقدين من الزمن.

لم يكن هذا الحدث مجرد تغيير سياسي، بل تحوّل جذري أعاد رسم ملامح العراق والمنطقة بأسرها. وهو جاء نتيجة حرب خاطفة شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بحُجّة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، حجّة بدت “ذريعة” لا يزال الجدل بشأنها قائمًا حتى اليوم.

وبينما استقبل بعض العراقيين تهاوي نظام حزب البعث الذي حكم البلاد لنحو 35 عامًا، بالأمل في التغيير، وجد آخرون أنفسهم في فوضى عارمة، حيث انهارت مؤسسات الدولة، ودخل العراق في دوامة من العنف وعدم الاستقرار، لم يخرج منها حتى اليوم.

في هذا المقال، استعادة لحقبة مهمّة من تاريخ العراق، سطّرها حكم صدّام حسين، فهل شكّلت الإطاحة به طريقاً سهلاً للمسار الصعب الذي لحق السقوط؟

العراق في عهد صدام حسين

منذ عام 1968 حتى عام 2003، كان العراق تحت حكم حزب البعث.

وبموجب دستور مؤقت اعتمده الحزب عام 1970، تم تأكيد العراق كجمهورية، حيث كانت السلطة التشريعية نظريًا موكلة إلى هيئة تشريعية منتخبة، ولكن أيضًا إلى مجلس القيادة الثوري الذي يسيطر عليه الحزب والذي لا يمكن أن يُصدر أي قانون من دون موافقته.

حينها، كانت السلطة التنفيذية بيد الرئيس، الذي كان أيضًا رئيسًا للمجلس ورئيسًا للوزراء، وكان يشرف على الوزراء وكان يفترض أن يقدم تقاريره إلى المجلس. وكان من المفترض أن تكون السلطة القضائية مستقلة. لكن النظام السياسي كان يعمل دون الالتفات إلى الأحكام الدستورية.

ومنذ عام 1979 حتى 2003، كان الرئيس صدام حسين يمارس سلطة شبه مطلقة.

كيف وصل صدام حسين إلى الحكم؟

بدأت المسيرة السياسية لصدام حسين في الخمسينيات، حيث شهدت هذه الفترة نقطة تحول رئيسية في يوليو / تموز 1958، عندما أطاح انقلاب عسكري عنيف نفذته مجموعة تُعرف باسم “الضباط الأحرار”، بالملك فيصل الثاني وأُعلن قيام نظام جمهوري. وخلال وقت قصير، قام الرجل القوي خلف الانقلاب، عبد الكريم قاسم، بإقصاء منافسيه عبر الاعتقالات والنفي والعنف.

بدأت مشاركة صدام حسين الموثقة مع حزب البعث عندما فشل نشطاء الحزب في اغتيال قاسم عام 1959، ولا تزال ظروف تورط حسين في محاولة الاغتيال الفاشلة وفراره اللاحق إلى مصر هربًا من الاعتقال غير واضحة. ومع ذلك، بحلول الوقت الذي نجح فيه البعث في الإطاحة بقاسم عام 1963، عاد صدام حسين الى العراق وأصبح معروفًا بمهاراته التكتيكية.

حكم صدام حسين العراق من 16 يوليو 1979 إلى 9 أبريل 2003، أي 23 سنة و8 أشهر و24 يومًا - غيتي
حكم صدام حسين العراق من 16 يوليو 1979 إلى 9 أبريل 2003، أي 23 سنة و8 أشهر و24 يومًا – غيتي

بحلول منتصف الستينيات، وقعت انقسامات أدت إلى مواجهة بين البعثيين العراقيين ونظرائهم السوريين، المؤسسين الأصليين لحزب البعث، وساهم هذا العامل في استيلاء صدام حسين على قيادة حزب البعث العراقي بحلول نهاية السبعينيات.

ارتفعت مكانته السياسية داخل الحزب عام 1968 عندما انضم إلى الجنرال أحمد حسن البكر في الانقلاب الذي بدا أنه أثبت قدرة البعثيين العراقيين على التغلب على الأعداء الداخليين والخارجيين، وأدى الى وصول البكر إلى الرئاسة والشروع في إصلاح انضباط الحزب. وقد ساعدت عوامل عدّة البكر وحسين على البقاء في السلطة؛ وكان أبرزها التزامهما الظاهري بتحسين الوضع الاقتصادي للعراق.

في منتصف السبعينيات، وحتى اتفاقية الجزائر لعام 1975 (بين العراق وايران)، التي أوقفت الدعم الإيراني والأميركي الكبير للأكراد، وقعت مواجهات عنيفة في جميع أنحاء شمال العراق. وبعد اتفاقية 1975، تغيرت الظروف، ولكن المشكلة الكردية، بالإضافة إلى الانقسام المتزايد بين البعثيين السوريين والعراقيين، أضعفت بوضوح قبضة البكر على الرئاسة وارتفع احتمال وقوع انقلاب سياسي آخر.

وكان صدام حسين يومها  نائبًا للرئيس أحمد حسن البكر ومسؤولًا عن الأمن والمخابرات، وهو كان سياسيًا حزبيًا، لكن أول خطوة نحو ترسيخ سلطته في العراق كانت ترقيته الذاتية إلى رتبة جنرال في يناير/  كانون الثاني 1976، مع العلم أنه لم يكن يومًا عسكرياً ولم يتلقَّ اي تدريب نظامي. إلا أنّ العامل الذي ساعد في سعيه الى السلطة هو التأثير المتزايد لما يسمى بميليشيات الشعب، الفرع المسلح لحزب البعث، حيث بدأ تكثيف التجنيد في هذه القوة، ما جعلها بمثابة قوة موازية محتملة لأي استياء داخل الجيش النظامي.

ومن مصادر نفوذه الأخرى، كانت الروابط العائلية والعشائرية في منطقته الأصلية قرب تكريت، فقد شرع حسين الى توزيع المناصب على مقربين منه، حيث عيّن العقيد عدنان خير الله، صهر الرئيس البكر وشقيق زوجة حسين، وزيرًا للدفاع عام 1977. كما أصبح منصب رئيس جهاز الاستخبارات تحت سيطرة أحد أقرباء حسين، سعدون شاكر، وسرعان ما أصبح حزب البعث هدفًا لعمليات التصفية السياسية.

ففي خريف عام 1977، أعلن مجلس قيادة الثورة (RCC)، برئاسة البكر وحسين، أن القيادة القُطرية لحزب البعث، والتي كانت تضمّ المسؤولين الحزبيين الذين كان من المتوقع منهم تنسيق جميع شؤون البعث عبر التشاور مع “القيادة القومية” الموجودة في سوريا، سيعتبرون من الآن فصاعدًا أعضاء بحكم المنصب في مجلس قيادة الثورة. وقد عنى هذا القرار أنه لم يعد هناك أي تمييز بين سياسات الدولة وسياسات الحزب.

عندها، بدأ ما يمكن وصفه بإجبار الأفراد على الولاء لشخصية صدام حسين، وأي شخص لم يظهر الولاء الكامل لحكمه أصبح موضع شك من قبل النظام. وبطريقة محكمة، وتكتيك سياسي وأمني أجبر صدام حسين الرئيس بكر على الاستقالة في 16 يوليو /  تموز 1979 وسيطر بعدها على الحكم.

حكم صدام حسين في العراق

كان صدام حسين يدرك خلفيات اللعبة السياسية، وقد تميّز بشخصية قاسية وحازمة، وكان حكمه الذي استمر بين العامين 1979 و2003، استبداديًا برأي كثيرين، حيث حافظ على سلطته من خلال الخوف، وشبكة أمنية واسعة، وقام بعمليات تطهير واسعة لكل أعدائه المحتملين، وقاد الحروب وحملات الإبادة الجماعية.

وانعكس ذلك على السياسة الخارجية التي اتبعها صدام حسين أيضًا، والتي كانت حافلة بالحروب، أبرزها الحرب التي شنها ضد إيران عام 1980، مدفوعًا بالخلافات الإقليمية ومخاوفه من التأثير الإيراني على الأغلبية الشيعية في العراق. وقد استمرت هذه الحرب لمدة ثماني سنوات، وأسفرت عن حالة من الجمود الدموي مع خسائر ضخمة من الجانبين.

وتركت هذه الحرب العراق في حالة دمار اقتصادي وعجز ضخم، حاول صدام حسين الخروج منهما بغزو الكويت عام 1990، مدعيًا أنه جزء من العراق. وقد أسّس هذا الغزو لحرب الخليج، حيث هزمت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة القوات العراقية وطردتها من الكويت في عام 1991.

تميّز صدام حسين بشخصية قاسية وعازمة، وكان حكمه استبداديًا برأي كثيرين - غيتي
تميّز صدام حسين بشخصية قاسية وعازمة، وكان حكمه استبداديًا برأي كثيرين – غيتي

ويُنظَر إلى حرب الخليج كبداية لعزل العراق دوليًا، فقد فرضت الأمم المتحدة عقوبات شديدة عليه، ما دمر الاقتصاد العراقي، وأدى إلى أزمة إنسانية ضخمة، وتدنٍّ في مستويات المعيشة. ولكن وبالرغم من انهيار اقتصاد البلاد، حافظ صدام على قبضته على السلطة، مستخدمًا القمع لسحق المعارضة الداخلية.

وفي التسعينيات، أصبح نظام صدام أكثر عزلة، حيث كان العراق يواجه عقوبات مستمرة ومناطق حظر طيران مفروضة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. وشملت سياسة صدام الداخلية في هذه الفترة مزيجًا من القمع والدعاية، حيث ساهم في تكوين عبادة شخصية تصوره كمدافع عن العالم العربي ضد الإمبريالية الغربية.

ووفقًا للتقارير، فقد عزّز صدام حسين على امتداد حكمه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي كانت مسؤولة عن المراقبة والتجسس والاعتقالات والتعذيب والاغتيالات، فكان أي شخص يُشتبه في أنه ينتقد النظام أو حتى يمتنع عن إظهار الولاء الكامل، يُعتقل فورًا. كما نفّذ صدام حملات تطهير واسعة ضد أعضاء سابقين في حزب البعث وحتى ضد قادة في الجيش أو الحكومة يُشتبه في نيتهم التمرد.

غزو العراق وذريعة أسلحة الدمار الشامل

في السنوات الأخيرة قبل غزو العراق، بدا العالم بأسره كمن ينتظر خطوة “ناقصة” لصدام حسين من أجل الدخول إلى العراق من الباب العريض والقضاء عليه.

وكانت أحداث 11 سبتمبر 2001 نقطة البداية لناحية التركيز على نظام صدام، حيث اتهمت إدارة الرئيس جورج بوش العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل (WMDs) ووجود صلات مع المنظمات الإرهابية مثل القاعدة، وهو ما شكّل مبررًا رئيسيًا للتصعيد.

وبين عامي 2001 و2003 قبل الغزو والسقوط، مرّ العراق بفترة شديدة التوتر سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، حيث تصاعد الضغط الدولي والأميركي على نظام صدام حسين. ففي عام 2002، بدأ البيت الأبيض حملة لإقناع المجتمع الدولي بخطورة نظام صدام، وتم تمرير قرار مجلس الأمن رقم 1441، الذي دعا العراق للسماح بعودة مفتشي الأسلحة الدوليين للبحث عن أسلحة دمار شامل.

وبالفعل، عاد المفتشون إلى العراق في نوفمبر /  تشرين الثاني 2002 بقيادة هانز بليكس، ولم يجدوا دليلاً قاطعًا على وجود أسلحة محرمة. لكن رغم التعاون النسبي مع المفتشين، بقيت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مصممتين على أن النظام لا يتعاون بجدية بالرغم من نفي صدام حسين امتلاك أي أسلحة دمار شامل، ورفضه مغادرة العراق أو التنازل عن الحكم، وهو ما اعتبرته واشنطن تحديًا مباشرًا.

سقوط بغداد وتهاوي حكم البعث

في 20 مارس/  آذار 2003، بدأت عملية “حرية العراق” (Operation Iraqi Freedom)، حيث غزت القوات الأميركية والبريطانية العراق من دون تفويض صريح من مجلس الأمن. وخلال 20 يومًا فقط، سقطت بغداد في 9 أبريل/  نيسان 2003، بصورة غامضة ومفاجئة، وتم إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس، في مشهد رمزي شهير.

فما هي الأسباب التي تذرع بها التحالف لشن الحرب على بغداد؟

  • الأسلحة النووية الوهمية: ادعت الولايات المتحدة ‍أن ⁣نظام صدام حسين يمتلك⁣ أسلحة‌ نووية وبراميل⁢ متفجرة تهدد أمنها وأمن العالم. وبالتالي، اعتبر الغزو وسيلة لإزالة ⁤هذا التهديد.
  • التدخل الإنساني: ذكرت الولايات المتحدة أن الغزو هو جزء من التدخل ⁤الإنساني لتحرير⁣ العراق من حكم ‍نظام صدام حسين ⁢الطاغية وتقديم الديمقراطية وحقوق الإنسان⁣ للشعب العراقي.
  • استراتيجية المصالح الاقتصادية والنفطية: يُعتبَر العراق أحد أكبر منتجي النفط ​في​ العالم، وكانت ⁢الولايات المتحدة تهدف للسيطرة على مخزوناته⁤ الضخمة ⁤وتجذبها كمنافس للدول الأخرى في⁤ المنطقة‍ مثل إيران والسعودية.

انتهت العملية العسكرية الأميركية البريطانية بسقوط بغداد واحتلال العراق⁣ من ⁤قبل التحالف. فقد أدى ⁢الغزو⁢ إلى مقتل آلاف ‍الأبرياء وتدمير ⁤بنية البلد وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

كما أسفر سقوط بغداد عن زيادة الانقسامات بين الطوائف والمجتمعات العراقية‌ وتعزيز فكر التطرف والتطرف الديني في المنطقة العربية بشكل عام. كما أنه أدى إلى تغيير ⁤المشهد السياسي في العراق وتراجع سيادته واستقلاليته وتمهيد الطريق​ لتدخل الدول الأجنبية⁤ في شؤونه الداخلية

لماذا كان سقوط بغداد سهلاً وسريعًا؟

لعلّ السؤال الكبير بعد غزة العراق وسقوط بغداد، كان: كيف سقطت بغداد؟ ولماذا كان سقوطها سهلاً وسريعًا لهذه الدرجة، رغم كلّ البروباغندا المضادة؟

وأبعد من ذلك، أين اختفت التشكيلات العسكرية العراقية خلال الاجتياح الأميركي؟ ولماذا اختفت الأجهزة الأمنية، ولم تنجح في حماية العاصمة العراقية؟

ساهمت عوامل عدة في سقوط بغداد بعد 20 يومًا فقط على الغزو الأميركي للعراق - غيتي
ساهمت عوامل عدة في سقوط بغداد بعد 20 يومًا فقط على الغزو الأميركي للعراق – غيتي

وعلى الرغم من عدم وجود إجابة حاسمة على هذه الإشكالية، يتحدّث المؤرّخون عن مجموعة من العوامل التي لعبت دورًا في هذا الإطار، من بينها:

  • التفوق العسكري، فقد استخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها قوة نارية هائلة، شملت القصف الجوي والصاروخي المكثف، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية العسكرية العراقية. وكانت القوات الأميركية تمتلك أسلحة متطورة، بينما كان الجيش العراقي يعاني من نقص في العتاد والتجهيزات الحديثة.
  • تطبيق تكتيك “الصدمة والترويع” عبر ضربات جوية مكثفة شلّت قدرة الجيش العراقي الذي كان منهكًا بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق منذ حرب الخليج عام 1991، ما أدى إلى تراجع قدراته القتالية.
  • لم يكن هناك تنسيق فعال بين القطاعات العسكرية العراقية، وظهرت انشقاقات وهروب جماعي بين الجنود والضباط، فأغلب القوات العراقية اعتمدت على الميليشيات والمجندين غير المدربين بدلًا من جيش نظامي قوي.
  • صدام حسين ومساعدوه لم يضعوا خطة دفاعية واضحة لحماية بغداد، وكان هناك سوء تقدير لحجم التهديد الأميركي.
  • بدلاً من خوض معركة طويلة، اعتمدت القوات الأميركية على الزحف السريع نحو بغداد عبر محاور متعددة، مما أدى إلى انهيار الدفاعات العراقية بسرعة.
  • القوات الأميركية دخلت بغداد من دون مواجهة مقاومة كبيرة، حيث كان الجيش العراقي قد تفكك عمليًا قبل وصولها.
  • كثير من العراقيين كانوا غير راضين عن حكم صدام حسين، خصوصًا بعد سنوات من الحروب والعقوبات الاقتصادية.
  • مع دخول القوات الأميركية، لم يخرج العراقيون بشكل واسع للدفاع عن النظام، مما سهل سيطرة الجيش الأميركي على العاصمة.

وبعد سقوط بغداد، حصلت عمليات نهب واسعة للمؤسسات الحكومية، والمتاحف، والوزارات، والجامعات، والمستشفيات، كما دُمّرت البنية التحتية للدولة بشكل شبه كامل، وسط غياب تام للقانون.

وبدأت أيضًا عمليات النهب والتخريب بسبب غياب الأمن، مما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة، والشرطة والجيش، ولم تكن هناك قوات عراقية فاعلة.

فقد حُلَّ الجيش العراقي من قبل الأميركيين ما زاد من حالة الفوضى وأدى لاحقًا إلى نشوء جماعات مقاومة ومسلحة ضد الاحتلال.

محاكمة صدام حسين

في ظل كل هذه الفوضى شهد العالم أجمع محاكمة صدام حسين، وصولاً إلى إعدامه، في حكم لا يزال يثير الجدل حتى اليوم، حيث تسمّرت الناس أمام الشاشات لساعات بانتظار الحكم النهائي.

فبعد الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003، تم القبض عليه في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2003 من قبل القوات الأميركية في “حفرة العنكبوت” مكان اختبائه في مزرعة بالقرب من تكريت.

وفي عام 2004 تم تشكيل المحكمة العراقية الخاصة، وهي محكمة استثنائية لمحاكمة صدام حسين ورفاقه بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية، وكانت تحت إشراف الحكومة العراقية المؤقتة التي تم تشكيلها بعد الغزو.

وقد واجه صدام حسين تهمًا عدّة، أبرزها:

  • جرائم ضد الإنسانية: بما في ذلك القتل الجماعي والتعذيب.
  • إبادة جماعية: خصوصًا في الهجوم على الأكراد في عمليات الأنفال في الثمانينيات.
  • قتل 148 شيعيًا في الدجيل: بعد محاولة اغتيال فاشلة في عام 1982.
  • استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الأكراد في هجوم حلبجة عام 1988.
واجهت محاكمة صدام حسين انتقادات واسعة بسبب ثغرات قانونية وإجرائية - غيتي
واجهت محاكمة صدام حسين انتقادات واسعة بسبب ثغرات قانونية وإجرائية – غيتي

وشملت المحاكمة متهمين آخرين مثل برزان التكريتي، أخ صدام، وعواد البندر، رئيس محكمة الثورة، الذين أُدينوا وأُعدموا أيضًا، وكذلك طه ياسين رمضان، نائب الرئيس، الذي كان في البداية محكومًا بالسجن مدى الحياة، لكنه أُعدم لاحقًا بعد استئناف الحكم.

واجهت محاكمة صدام حسين انتقادات واسعة بسبب الطابع الطائفي الذي شابها، ووجود ثغرات قانونية وإجرائية في سير المحاكمة. من أبرز هذه الانتقادات قلة الاستقلالية وغياب الشفافية في تقديم الأدلة، وعدم توفير الفرص الكافية للمتهمين للدفاع عن أنفسهم، مما أثر على نزاهة الإجراءات.

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش هذه الثغرات في تقرير طويل صادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، معتبرة أن المحاكمة لم تلتزم بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وغابت عنها ضمانات المحاكمة العادلة، إذ لم يتم توفير الفرص الكافية للمتهمين في مواجهة الشهود أو الاطلاع على الأدلة بشكل دقيق.

القضاة  أيضًا لم يأخذوا في الاعتبار، وفق التقرير، النية الفعلية للمتهمين (صدام حسين ورفاقه) في ارتكاب الجرائم، وهو ما يعد من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي الدولي.

العراق ما بعد صدام حسين

في 30 ديسمبر/  كانون الأول 2006، أعدمت الحكومة العراقية الرئيس صدام حسين بعد محاكمة مثيرة للجدل، لتتغيّر بعد ذلك معالم العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل جذري.

فبعد حكم صدام حسين، دخل العراق مرحلة انتقالية غير مستقرة مليئة بالتحديات، خصوصًا بعد سيطرة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على معظم أنحاء البلاد، والإعلان عن تشكيل سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) التي كانت تدير البلاد مؤقتًا.

وفي مايو/ أيار 2003، قرر الحاكم المدني الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي وحظر حزب البعث في العراق، وأدى هذا القرار إلى تفكيك مؤسسات الدولة، ما جعل العديد من العراقيين يفقدون وظائفهم، بما في ذلك الجنود وضباط الشرطة، وهو ما  أسهم في خلق فراغ أمني ساعد على نمو الفوضى والتمرد، وفتح الباب أمام الجماعات المسلحة لتنظيم صفوفها، بما في ذلك القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرفة.

وفي يونيو/ حزيران 2004، سلمت سلطة الائتلاف المؤقتة إدارة العراق إلى الحكومة الانتقالية العراقية، التي تم تشكيلها بناءً على اتفاقيات بين القوى السياسية العراقية. وفي يناير/  كانون الثاني 2005، تم إجراء الانتخابات التشريعية الأولى في العراق بعد سقوط صدام حسين، وتشكيل مجلس النواب العراقي.

بقيت القوات الأميركية في العراق لفترة طويلة بعد سقوط بغداد، وواجهت مقاومة شديدة. تم إقرار اتفاقية سحب القوات الأميركية في 2008، لكنّه لم يكتمل بصورته النهائية. وقد شهد العراق شهد انتخابات ديمقراطية في عدة مناسبات بعد 2005، لكنها لم تمنع من وجود الخلافات السياسية العميقة بين القوى المختلفة في البلاد.

ورغم مرور سنوات على سقوط بغداد، ما يزال العراق يعاني من تحديات ضخمة على المستوى السياسي والاقتصادي، مع استمرار الفساد وضعف المؤسسات الحكومية.

في النتيجة..

شكّل سقوط بغداد تحوّلًا كبيرًا في مسار العراق والمنطقة، حيث مثل نهاية حقبة أساسيّة طبعت البلاد لعقود، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة مليئة بالتحديات.

لكنّ هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في النظام السياسي، بل كان بداية لمرحلة من عدم اليقين والصراعات التي أثرت على حياة المواطنين وشكلت مشهدًا جديدًا من الصراع على السلطة.

ومع انهيار الهياكل السابقة، ظهرت صعوبات كبيرة في بناء مؤسسات جديدة تكون قادرة على استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي، ما جعل الطريق نحو المستقبل محفوفًا بالصعوبات والتحديات المعقدة.