ثورة الحسين (ع) ومشروع بناء الدولة: دروسٌ للعراق في الإصلاح والاقتصاد

شارك الخبر

علي كريم إذهيب – في لحظة مفصلية من تاريخ الأمة، نهض الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) ليقول “لا” في وجه الظلم، ويقدم روحه ودمه دفاعًا عن القيم التي تُبنى عليها الدول: العدل، الكرامة، والمساواة. لم تكن كربلاء مجرد واقعة تاريخية، بل كانت انطلاقة لمشروع نهضوي يهدف إلى بناء دولة عادلة، واقتصاد رصين، ومجتمع حر كريم.

بعد أكثر من 1400 عام، لا يزال صدى تلك الثورة يتردد في ضمير كل أمة تطمح للخروج من واقعها المأزوم. والعراق اليوم، بما يملكه من طاقات بشرية وثروات طبيعية وإرث حضاري عميق، يقف أمام مفترق طرق: إما الانحدار المستمر، أو انطلاقة إصلاحية شجاعة تستلهم من ثورة الحسين (ع) روحها ومبادئها.

العراق وثقافة الإصلاح: من كربلاء إلى الواقع

عانى العراق لعقود من فساد ممنهج، وسوء تخطيط، وتردي في البنى التحتية، وفقدان للثقة بين المواطن والدولة. لكن هل يمكن أن نستلهم من الحسين (ع) منهجًا للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي؟ الجواب: نعم، وبكل وضوح.

ثورة الحسين (ع) لم تكن دعوة للقتال فقط، بل كانت دعوة شاملة لبناء نظام سياسي واقتصادي أخلاقي وإنساني. ويمكن إسقاط هذه المبادئ على واقع العراق اليوم عبر مجموعة من الخطوات الواقعية:

1. محاربة الفساد كأساس للعدالة

كما واجه الإمام الحسين (ع) الانحراف في الحكم، فإن أول خطوات الإصلاح اليوم تبدأ بمواجهة منظومات الفساد بكل حزم. لا إصلاح دون قضاء مستقل، ولا تنمية دون مؤسسات نزيهة. يجب استعادة المال العام، وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة من خلال الشفافية والمحاسبة.

2. العدالة الاجتماعية أولوية وطنية

لم يكن الحسين (ع) صوت النخبة، بل صوت الفقراء والمحرومين. على الحكومة أن تضمن توزيعًا عادلًا للثروة، وتوفر فرص العمل، وتحمي الفئات الهشة، وتُصلح قطاعي التعليم والصحة، باعتبارهما أساسين لبناء إنسان قادر ومُنتج.

3. بنية تحتية تليق بالعراق

لا يُمكن بناء اقتصاد من دون أساس مادي متين. يجب تحديث شبكات الطرق، الطاقة، الاتصالات، ومشاريع الماء والمجاري، عبر خطط طويلة الأمد وتعاون شفاف بين القطاعين العام والخاص، وإشراك الشركات الوطنية والكفاءات العراقية.

4. تنويع الاقتصاد وتحريره من قبضة النفط

الحسين (ع) طالب بحياة كريمة لا تابعة ولا مرهونة. على العراق أن يحرر اقتصاده من التبعية للنفط عبر:
• دعم الزراعة والصناعة
• تحفيز الابتكار والمشاريع الشبابية
• تطوير السياحة، خصوصًا الدينية
• جذب الاستثمار ضمن بيئة قانونية آمنة

5. وعي مجتمعي يشارك في الإصلاح

الثورات لا تنجح من دون شعب واعٍ. ثقافة الإصلاح تبدأ من المواطن، من وعيه بحقوقه وواجباته، من إصراره على النزاهة، من رفضه للسكوت عن الفساد، ومن دعمه لأي مشروع وطني يخدم الصالح العام.

الحسين ليس ذكرى.. بل مشروع دائم

ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ليست مناسبة نحييها ونمضي، بل مشروع حضاري مستمر يدعونا أن نكون شركاء في بناء وطن يقوم على العدالة والكرامة والشفافية. العراق لا يحتاج معجزة، بل إرادة. ولا يحتاج شعارات، بل أفعال صادقة، ومواطنة فاعلة.

فلنبدأ بالإصلاح من حيث بدأ الحسين (ع): بقول كلمة الحق، ورفض الذل، وبناء الدولة على أساس العدل.