بيت للموظف؟ يمكن بعد التقاعد… بس بـ«قبر»!

شارك الخبر

علي كريم إذهيب – في بلد مثل العراق، حيث يواجه الاقتصاد أزمات متراكمة وسوق العقارات يتصاعد بشكل غير عقلاني، تبقى أحلام المواطن محدودة، وأولها حلم امتلاك بيت. والسؤال الذي يتكرر على ألسنة الجميع: هل يستطيع الموظف العراقي شراء بيت من راتبه؟ الجواب المباشر والمؤسف هو: بالتأكيد لا.

أولًا: الفجوة بين الدخل وسعر العقار

لنأخذ مثالًا بسيطًا. يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي في العراق قرابة 750 ألف دينار عراقي (ما يعادل حوالي 500 دولار تقريبًا). في المقابل، يبلغ سعر بيت صغير في منطقة متوسطة ببغداد أو أي محافظة أخرى ما بين 100 إلى 150 مليون دينار، وقد يتجاوز ذلك بكثير في المناطق “المخدومة” أو القريبة من مراكز المدن.

إذا افترضنا أن الموظف لا يصرف من راتبه أي شيء – لا أكل، لا مواصلات، لا مصاريف عائلة – فسيحتاج إلى أكثر من 10 سنوات ليجمع ثمن بيت متواضع. وبالطبع هذا افتراض غير واقعي، لأن أغلب الرواتب تُستهلك بالكامل شهريًا لتغطية نفقات الحياة الأساسية.

ثانيًا: القروض السكنية.. حل معقّد لا يناسب الجميع

بعض الموظفين يلجؤون إلى القروض السكنية، مثل قرض صندوق الإسكان أو المصرف العقاري. لكن هذه القروض، رغم فائدتها الظاهرية، تواجه عوائق عدة:
• الإجراءات الروتينية المعقدة والمطولة.
• الحاجة إلى كفيل وضمانات عقارية.
• ارتفاع الأسعار مقارنةً بمبالغ القرض التي غالبًا لا تكفي لتغطية كامل ثمن العقار.
• خصم أقساط كبيرة شهريًا من راتب الموظف، ما يزيد العبء المالي عليه.

ثالثًا: انفلات السوق العقاري

سوق العقارات في العراق لا يخضع لضوابط صارمة، بل يعتمد على العرض والطلب، ومزاج المستثمرين والمضاربين، خصوصًا بعد ازدهار تجارة الأراضي والمجمعات السكنية الخاصة التي تستهدف شريحة الأغنياء أو المغتربين.

في غياب خطط إسكانية حقيقية ومدعومة للفقراء ومحدودي الدخل، تحوّل السكن إلى سلعة فاخرة بدل أن يكون حقًا إنسانيًا.

رابعًا: التدهور المستمر في الخدمات

حتى وإن استطاع الموظف شراء قطعة أرض في أطراف المدن، فإنه سيصطدم بواقع مرير: مناطق بلا ماء، بلا كهرباء، بلا طرق معبّدة. هذا يجعل من حلم بناء بيت على أرض رخيصة مشروعًا معلقًا بلا أمل.

الموظف العراقي لا يستطيع شراء بيت من راتبه الحالي، إلا في حالات نادرة واستثنائية، كوجود دعم عائلي، أو ورث عقار، أو لديه مصدر دخل آخر. المشكلة ليست في الموظف نفسه، بل في نظام اقتصادي لا يوازن بين الرواتب وتكاليف المعيشة، وفي غياب إرادة حكومية لتوفير السكن اللائق.

إن امتلاك بيت يجب أن يكون حقًا، لا امتيازًا. لكن في العراق، هذا الحلم ما زال مؤجلًا… إلى إشعارٍ آخر.