منبر الحسين.. توعية أم شحن طائفي!

شارك الخبر

سدن سالم – في موسم عاشوراء، ترتفع المنابر وتكثر الخطب، ويتوجه أنظار الملايين نحو كربلاء، ليس فقط لإحياء الذكرى، بل لسماع الخطاب الديني الذي غالبًا ما يحمل رسائل تتجاوز حدود المجالس، لتلامس الواقع السياسي والاجتماعي والديني في البلاد.

لكن هذا الموسم، كما في أعوام سابقة، عاد الجدل حول: هل يوظَّف الخطاب الديني للتوعية أم يتحوّل أحيانًا إلى وسيلة للشحن الطائفي؟

تحليل لخطبة الجمعة في كربلاء المقدسة

في صحن الإمام الحسين (ع)، وقف خطيب الجمعة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في أول جمعة من محرم هذا العام، متحدثًا عن ضرورة “الاقتداء بالحسين في مقاومة الظلم”، لكنه شدد أيضاً على “عدم الانجرار إلى خطاب الكراهية أو تصفية الحسابات تحت يافطة الشعائر”.

قال في خطبته : “نُحيي عاشوراء لنتذكّر المبادئ، لا لنُثير الأحقاد… القضية أكبر من طائفة، إنها معركة ضمير إنساني ضد الظلم والانحراف.”

الخطبة لاقت ترحيباً من شرائح واسعة من المواطنين، خصوصاً حين دعا إلى نبذ التفرقة: “من يُمزّق النسيج الوطني باسم الحسين، لا يعرف الحسين.”

رأي علماء الدين: مسؤولية لا منبر فقط

الشيخ حسن الساعدي، وهو أستاذ في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، علّق على الخطبة قائلاً: المشكلة ليست في خطبة الجمعة، بل في بعض المنابر الجانبية التي تنشر خطابات تنكأ الجراح الطائفية وتعيد إنتاج الكراهية بأسلوب انفعالي.”

ويضيف: “واجب الخطيب اليوم أن يُربّي لا أن يُجيّش، أن يُوعّي لا أن يُؤلّب.”

من جهته، قال السيد علاء الحسيني، أحد الباحثين في الفكر الإسلامي المعاصر: “هناك فرق بين الحزن المشروع، وبين توظيف العزاء في معارك سياسية أو طائفية… الحسين خرج ليصلح، لا ليقسم الناس.”

رؤية المفكرين: الخطاب الديني شريك في بناء الدولة

الدكتور قاسم الطائي، أستاذ في كلية العلوم السياسية، يرى أن عاشوراء تمثّل فرصة سنوية لإعادة تعريف المواطنة.

“حين يكون الحسين رمزًا ضد الفساد والظلم، فهو رمز لكل العراقيين، وليس لطائفة بعينها.”

ويؤكد: الخطاب الديني في عاشوراء يجب أن يكون جسرًا، لا خندقًا… صوتًا وطنيًا، لا أداة استقطاب.”

أمثلة من الواقع: منابر تجمع وأخرى تفرّق

في أحد المجالس في بغداد الجديدة، ألقى الشيخ مصطفى العامري مجلساً عاشورائياً تناول فيه “مظلومية الإمام الحسين كرمز عالمي”، مستشهداً بمواقف شخصيات غير مسلمة مثل المهاتما غاندي، وقال:لا يجوز حصر الحسين في إطار ضيق… الحسين خرج من أجل الناس، كل الناس.”

في المقابل، تداول ناشطون على مواقع التواصل مقاطع لخطباء يستخدمون تعبيرات حادة، ويشيرون للطوائف الأخرى بطريقة عدائية، مما أثار انتقادات واسعة من مثقفين ودينيين على حد سواء.

موسم عاشوراء… منبر للوحدة أم معركة هوية؟

السؤال الذي يُطرح اليوم بقوة: هل يستطيع الخطاب الديني في عاشوراء أن يكون عنصرًا لتثبيت الوحدة الوطنية

المفكر الإسلامي الشيخ أحمد الصافي أجاب قائلاً: “إذا غاب العقل واحتلّ الغضب المنبر، خسرنا الحسين مرتين… مرة في كربلاء، ومرة اليوم.”

مسؤولية الجميع

الخطاب الديني ليس مسؤولية الخطيب وحده، بل أيضًا مسؤولية الجمهور، والمؤسسة الدينية، والجهات الإعلامية.

عاشوراء فرصة لإعادة قراءة القيم التي خرج من أجلها الإمام الحسين: الإصلاح، العدالة، الكرامة، ورفض الظلم.

وحين نُحسن استثمار هذا الموسم، يمكن أن يتحوّل من موسم بكاء إلى موسم بناء.