قال الإمام الحسين عليه السلام
“اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتتحول نقما”
هذا القول ينطوي على منظومة تربوية متكاملة تتجاوز الموعظة العابرة إلى تأسيس وعي عميق بموقع الفرد في مجتمعه ودوره في البناء الإنساني والاجتماعي فالإمام لا يخاطب الإنسان بوصفه فردا منعزلا بل ككائن مسؤول تتقاطع حاجاته مع حاجات الآخرين في شبكة من الاعتماد المتبادل.
من منظور تربوي يعيد الإمام صياغة العلاقة بين المعطي والمحتاج بشكل يُخرجها من دائرة المنّة إلى دائرة المسؤولية فالحاجة حين تُعرض على الإنسان لا تعني نقصا في الطرف الآخر بقدر ما تمثل اختبارا للطرف الذي يستطيع أن يقدّم المساعدة فإن أحسن أداء دوره تحوّلت علاقته بالآخرين إلى مساحة نمو أخلاقي وتربوي حقيقي.
إن وصف الإمام لحوائج الناس بأنها من نعم الله يُحوّل مفهوم النعمة من كونه ماديا أو ظرفيا إلى كونه مفهوما وظيفيا فوجود من يحتاج إليك هو في حد ذاته نعمة لأنه يشير إلى أنك قادر مؤتمن موضع رجاء وهذه المقاربة تبني لدى المتلقي شعورا بالامتنان لا بالاستثقال وبالفرصة لا بالعبء.
الملل من تكرار الطلبات أو ضيق النفس من كثرة الحاجات مؤشر على خلل في التربية الداخلية للفرد وعلى ضعف في البنية النفسية التي لم تُدرّب على العطاء كقيمة إنسانية عميقة إن التحول من النعمة إلى النقمة لا يكون فجأة بل يبدأ بانسحاب الشعور بالامتنان من النفس واستبداله بالتضجّر ومع الوقت تنقلب النعمة عقوبة معنوية تفقد فيها النفس قدرتها على الإحساس بالقيمة.
أما على المستوى الاجتماعي فإن هذا القول يُسهم في بناء مجتمع متماسك يقوم على التعاون والتكافل لا على الاستعلاء والتفرد فحين يفهم كل فرد أن حاجات الناس إليه ليست تهديدا لمكانته بل تأكيدا عليها فإنه يسهم في خلق بيئة تفاعلية إيجابية يشعر فيها الجميع بالأمان النفسي والانتماء.
إن التربية على ضوء هذا المبدأ الحسيني تزرع في الفرد وعيا يجعل منه عنصرا فاعلا لا ينتظر التقدير بل يُدرك أن القيمة الذاتية تأتي من الأداء لا من الإشادة ومن البذل لا من التصفيق وهذا الفهم يحمي المجتمع من النزعات الفردانية التي تنشأ من تصور العطاء على أنه تفضّل لا واجب.
ففي نهاية المطاف ما يميز المجتمعات المتحضّرة هو قدرتها على تحويل الطاقة الإنسانية من مجرد إنتاج مادي إلى تفاعل أخلاقي يسند بعضه بعضا وهذا ما قصده الإمام حين جعل من حاجة الناس اختبارا للموقع ودليلا على النعمة وتحذيرا من الغفلة التي تفرّغ الإنسان من مسؤوليته الاجتماعية والأخلاقية.
إن هذا الحديث يشكّل أساسا لتربية الفرد والمجتمع معا على احترام العلاقة الإنسانية وعلى استشعار البُعد المعنوي لكل فعل اجتماعي وعلى الحذر من استهلاك النعمة بمشاعر النفور أو الاستعلاء لأن من فَقَد الشعور بقيمة الناس فقد بوصلته التربوية وفَقَد معها طريقه إلى الله.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
رئيس خلية الإعلام الأمني