سدن سالم – شهدت زيارة عاشوراء لهذا العام 2025 في العراق تحوّلاً لافتًا في طبيعة وحجم مشاركة المرأة العراقية، حيث تجاوز حضورها المألوف في المواكب والخدمة الحسينية إلى أدوار قيادية وتنظيمية وثقافية، بما يعكس تطوّرًا تدريجيًا في تموضعها داخل الفضاء العاشورائي، دينيًا واجتماعيًا.
وبات واضحًا أن النساء لسن مجرّد مرافقات أو خادمات للمواكب، بل أصبحن صانعات محتوى ديني، ومنسقات ميدانيات، ومتحدثات رسميّات، وموثقات للحدث، مما أضفى على المناسبة روحًا جديدة تزاوج بين الأصالة والتحديث.
حضور يتعاظم بالأرقام والتجربة
بحسب رصد ميداني لشبكة (إنماز نيوز) في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، فإن نسبة حضور النساء في مواكب العزاء وخيم الخدمة هذا العام وصلت إلى نحو 45%، مقارنة بـ35% في عام 2024، و32% في 2023، ما يشير إلى منحى تصاعدي واضح.
نماذج نسائية رائدة
1- فاطمة العبايجي – تنظيم الموكب النسائي
من مدينة النجف الأشرف، أشرفت فاطمة العبايجي (45 عامًا) على تنظيم ممرات دخول النساء وخروجهن داخل أحد المواكب الرئيسية، موضحة أنها “عملت ضمن فريق نسوي متكامل لضمان راحة الزائرات وحفظ الخصوصية”.
هدى علوان – الوعي الزينبي
في بغداد، قادت خريجة كلية التربية – الجامعة المستنصرية قسم المادة الإسلامية هدى علوان حلقات فكرية توعوية حول شخصية السيدة زينب (عليها السلام) ودورها في الثورة الحسينية، مؤكدة أن “المرأة الزينبية ليست فقط من تبكي، بل من تحمل الرسالة بعقل ووعي”.
هيام الحسيني – توثيق الصورة العاشورائية
الصحفية المستقلة هيام الحسيني من ذي قار، وثّقت بعدستها يوميات النساء في العزاء، قائلة: “أريد أن يرى العالم كيف تشارك النساء، كيف يخدمن ويقُدن، كيف يصنعن المشهد العاشورائي من الداخل”.
زهراء العقابي – العطاء من المنزل
من الكوت – واسط، سخّرت السيدة زهراء العقابي بيتها لخدمة الزائرات، حيث وفّرت الطعام والماء ومكانًا للاستراحة، معتبرة أن “العطاء في عاشوراء لا يحتاج منبرًا بل قلبًا مخلصًا”.
رقية كاظم – الصوت الحسيني
في موكب شعبي بالعاصمة بغداد، ارتفع صوت رقية كاظم بتلاوة قصائد رثائية حماسية ألهبت مشاعر الحاضرات، معلنة أن “المنبر النسائي لم يعد خيارًا ثانويًا، بل ضرورة معبرة عن المرأة الحسينية”.
إضافات نوعية لعام 2025
ضمّت زيارة هذا العام مشاركات لافتة مثل الدكتورة منى العامري، التي قدّمت سلسلة محاضرات فكرية داخل خيمة مخصصة للنساء في كربلاء المقدسة، وسماح الغزالي من كربلاء ايضا التي أدارت نظام الصوت والهتاف النسائي، إلى جانب الناشطة تغريد الجابري التي أطلقت مبادرة توزيع صور وشهادات نسوية رمزية لنساء الطف.
كما برزت مشاركة رقمية عبر البث المباشر الذي أطلقته الأستاذة عالية الحجامي من البصرة، ولاقى تفاعلًا من آلاف النساء داخل وخارج العراق.
تحليل ومقارنة
تشير البيانات إلى أن عدد النساء المنظمات ضمن المواكب ارتفع من 10 نساء عام 2022 إلى 30 في 2025، فيما تضاعف عدد المبادرات الإعلامية النسوية أربع مرات خلال الفترة نفسها.
التحديات والفرص
رغم التقدّم، ما زالت بعض التحديات تواجه المرأة في عاشوراء، أبرزها القيود المجتمعية على مشاركتها العلنية، وضعف الدعم المؤسسي لبرامج التدريب والتمكين. إلا أن الفرصة قائمة لتأسيس منصّات إعلامية نسائية، وإطلاق أكاديمية تأهيل خطيبات ومتحدثات، ودمج المؤسسات الجامعية والدينية لدعم جهود النساء رسميًا.
تؤكّد زيارة عاشوراء 2025 أن المرأة العراقية لم تعد على هامش الطقس الديني، بل باتت روحًا فاعلة فيه، حاملة للرسالة الزينبية، ورافعة لصوت الحقيقة والعدل. المشهد النسائي في عاشوراء لم يعد يُقرأ بالبكاء فقط، بل يُكتَب بالحضور والموقف والكلمة.
“من أراد أن يرى كربلاء اليوم، فعليه أن يصغي لصوت النساء في عاشوراء”