خاص – تُعدّ تغريدة صالح محمد العراقي بتاريخ 13 تموز 2025 جزءًا من سلسلة رسائل سياسية يُطلقها ما يُعرف بـ”وزير القائد”، وهي في جوهرها تعبّر عن موقف التيار الصدري من العملية الانتخابية المقبلة، وتكشف بوضوح عن شروط الصدر لدعم أي كتلة سياسية، كما أنها ترسم ملامح الخطاب الإصلاحي الذي يسعى التيار لتبنّيه في مواجهة ما يسميه بـ”الفساد السياسي”.
أولاً: صيغة الخطاب ومضمونه العام
يفتتح العراقي رسالته بعبارة تشير إلى استمرار حالة “الحيرة”، في تعبير عن التردد أو غياب القرار النهائي بشأن موقف التيار من المشاركة في الانتخابات أو دعم جهة معينة. يسأل المتابعين والساسة على حد سواء: “مَن مِن الكتل المرشحة للانتخابات برأيكم يمكن أن يكون برنامجها: الاستقلال بلا تبعية؟”. وهذا سؤالٌ سياسي بامتياز، لكنه يحمل بين طياته رسالة مشروطة: لا دعم انتخابي بلا برنامج وطني إصلاحي.
ثانيًا: شروط الدعم السياسي
الفقرة الوسطى من الرسالة تتضمن شروطًا واضحة، يكاد يُمكن اعتبارها “وثيقة سياسية”، إذا ما قُرئت بدقة:
1. الاستقلال بلا تبعية: وهذا شرط محوري، يُفهم منه رفض أي ارتباط بالقوى الخارجية، سواء كانت إيران أو الولايات المتحدة. إنه تمسك صريح بالسيادة الوطنية.
2. حصر السلاح بيد الدولة: إشارة إلى الميليشيات والفصائل المسلحة غير المنضبطة، وهو مطلب تكرره القوى الوطنية والدولية على حد سواء.
3. تقوية الجيش والشرطة: في مقابل الفصائل المسلحة، يعكس هذا الشرط رغبة في إعادة الاعتبار للمؤسسات الرسمية.
4. حلّ المليشيات: وهو موقف متقدّم يتجاوز حتى بعض الخطابات المعتدلة داخل العملية السياسية.
5. دمج الحشد الشعبي في القوات الأمنية أو تنظيمه: هنا يظهر نوع من الواقعية، فالحشد موجود بقوة، ولكن التيار الصدري يريد له موقعًا محددًا ضمن هيكل الدولة، لا أن يكون موازيًا لها.
6. كشف الفاسدين والسعي للإصلاح: وهذه إحدى الركائز الأساسية في خطاب التيار الصدري الذي طالما رفع شعار “الإصلاح أولاً”.
ثالثًا: الرؤية الأخلاقية للتصويت الانتخابي
ينتقل العراقي في ختام تغريدته إلى سؤال جوهري: “ما هي الضمانات التي يمكن أن تؤخذ منها مقابل إعطائها أصوات الشرفاء؟!”. هذا التساؤل يخرج من السياق التقني للانتخابات ليدخل حيزًا أخلاقيًا – سياسيًا. فالتيار الصدري هنا لا يرى أن التصويت عملية ديمقراطية مجردة، بل مسؤولية وطنية لا ينبغي التفريط بها إلا لضمانات حقيقية. وهو ما يعيد إلى الأذهان مواقف سابقة للصدر انسحب فيها من العملية السياسية لأنه لم يجد فيها تلك “الضمانات”.
رابعًا: مغزى التوقيت والسياق العام
التوقيت السياسي للتغريدة يأتي في ظل تصاعد التحضيرات للانتخابات المبكرة، وبعد فترة من الغموض بشأن موقف التيار الصدري من العودة إلى العمل السياسي، لا سيما بعد انسحابه من البرلمان العراقي في 2022. الرسالة تُعيد خلط الأوراق وتفتح الباب لاحتمال عودة مشروطة. فالصدر قد لا يترشح أو يشارك مباشرة، لكنه قد يُوجه أنصاره للتصويت لقائمة قريبة من برنامجه، شريطة توافر الضمانات التي أُشِير إليها.
خامسًا: الرسالة إلى الداخل والخارج
من المهم الإشارة إلى أن هذه التغريدة لا تخاطب فقط الجمهور العراقي، بل تتضمن رسائل إلى الأطراف الإقليمية والدولية. فحين يتحدث عن “الاستقلال بلا تبعية”، فهو يُلمّح إلى رفض التدخل الإيراني، وكذلك إلى الوجود الأميركي، معًا. وهو موقف يسعى من خلاله التيار إلى التأكيد على وطنيته وتمسكه بمبدأ “العراق أولًا”، وهو شعارٌ متكرر في خطاب الصدر.
سادسًا: مشروع إصلاح أم مناورة سياسية؟
في المحصلة، يمكن النظر إلى هذه الرسالة بوصفها “خارطة طريق” انتخابية، يضعها التيار الصدري لمن يريد نيل دعمه أو تقاربه. لكنها أيضًا تُبقي الباب مواربًا، إذ لا يُفصح العراقي عن كتلة معينة أو اسم مرشح محدد، بل يكتفي بطرح الأسئلة المشروطة. وقد تكون هذه الصيغة إحدى أدوات الضغط السياسي لفرض شروط التيار على الأطراف الأخرى، دون التورط المباشر في التزامات انتخابية سابقة لأوانها.
التيار الصدري، عبر هذه الرسالة، يطرح نفسه من جديد كقوة رقابية – إصلاحية، لا بوصفه جزءًا من اللعبة فحسب، بل كحَكَم أخلاقي لها. وهذه هي نقطة التوازن الدقيقة التي يحاول أن يتموضع عندها مقتدى الصدر منذ سنوات: بين الانخراط الشعبي والاعتزال السياسي، بين المشاركة بشروط والابتعاد بموقف.