العراق يودّع رائد تعريب الهندسة… داخل حسن جربو يغلق دفتر العقل في منفاه

شارك الخبر

إنماز نيوز – فقد العراق اليوم أحد أعلامه البارزين في ميادين العلم والهندسة والبحث الأكاديمي، برحيل البروفيسور داخل حسن جربو، أول عالم عراقي في هندسة الحاسوب، عن عمر ناهز 83 عامًا، وذلك في منفاه بمدينة سيدني الأسترالية بعد مسيرة استمرت أكثر من ستة عقود من العطاء العلمي والوطني.

من السماوة إلى لندن.. سيرة عالم

وُلد جربو عام 1942 في محافظة السماوة (وفي روايات أخرى في البصرة)، ليلتحق مبكرًا بركب العلم متفوقًا على أقرانه، ويحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة لندن عام 1966، ثم الماجستير في هندسة الأنظمة من جامعة برونيل عام 1967، ليعود إليها لاحقًا ويحصل على أول دكتوراه عراقية في هندسة النظم والحاسوب عام 1972.

أسّس بعدها لنفسه مكانة أكاديمية مرموقة داخل العراق وخارجه، واضعًا اللبنات الأولى للتخصصات الحديثة في البلاد، أبرزها الميكاترونيكس وهندسة البرمجيات، وكان له دور مفصلي في تطوير التعليم الهندسي بالعراق في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة.

منابر جامعية وقيادة علمية

شغل البروفيسور جربو مناصب علمية رفيعة، أبرزها:
• رئيس جامعة البصرة (1985–1993)
• رئيس الجامعة التكنولوجية ببغداد
• رئيس هيئة التعليم التقني
• رئيس المجمع العلمي العراقي
• مستشار أكاديمي في ديوان رئاسة الجمهورية
• مستشار للتعليم التقني في سلطنة عمان

ورغم الحصار الدولي في تسعينيات القرن الماضي، ساهم في ربط التعليم بالصناعة الوطنية، وأعاد هيكلة عدة مؤسسات تعليمية، مطلقًا برامج تطويرية ومختبرات تطبيقية بالتعاون مع الوزارات العراقية.

إنجازات علمية رائدة

ألف جربو أكثر من 45 كتابًا في ميادين الحاسوب والمنطق واللغة والتقنيات، من أشهرها:
• برمجة الحاسبات للعلوم والهندسة
• أسس التصميم المنطقي وتطبيقاته
• الهندسة والتقانة وآفاق المستقبل
• المثقف العربي والتحديات المعاصرة
• أيام في الذاكرة – سيرة علمية وشخصية توثّق تجربته الممتدة بين العراق والمهجر

كما نشر أكثر من 150 بحثًا علميًا في مجلات دولية، وكتب ما يزيد عن 500 مقال في قضايا الفكر والتقنية والتعليم، وكان من أوائل المدافعين عن تعريب المصطلح العلمي وتوطين المعرفة في البيئة العربية.

تكريمات وجوائز

نال الفقيد العديد من الجوائز والأوسمة، من أبرزها:
• جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الهندسية (1989)
• وسام العلم من الدرجة الأولى (2001 و2002)
• نوط الاستحقاق العالي مرتين (1993 و2000)
• ميدالية جامعة كدانسك التقنية – بولندا
• رائد الفكر العربي في الهندسة الإلكترونية – من مؤسسة الفكر العربي (2005)
• انتُخب عضوًا في أكاديمية العلوم الدولية في إيطاليا، وعضوًا في مجمع اللغة العربية بدمشق

غادر الوطن.. وظلّ يحمل قضاياه

بعد 2003، استُدعي جربو للمشاركة في إعادة هيكلة التعليم العالي، غير أنه غادر لاحقًا إلى أستراليا ليستقر في سيدني حيث توفي، بعيدًا عن الأضواء، تاركًا إرثًا معرفيًا غزيرًا، وطلابًا تخرجوا على يديه أصبحوا اليوم أساتذة وباحثين في جامعات العراق والخارج.

وداعٌ يليق بعالم

في وداعه، نعى عدد من الأكاديميين العراقيين الفقيد مؤكدين أنه “رجل سابق لعصره”، وأن رحيله “خسارة لضمير أكاديمي ظلّ يقاوم الجهل والفساد والتجهيل”، فيما دعت شخصيات أكاديمية إلى إطلاق اسمه على إحدى القاعات أو الكليات الهندسية، تخليدًا لذكراه ومسيرته.

لقد رحل داخل حسن جربو، لكنه ترك ما لا يموت: المعرفة، الأثر، والكرامة العلمية.