من البرلمان إلى الشارع: هل يعيد الشباب تشكيل الخريطة السياسية في العراق؟

شارك الخبر

بغداد – سدن سالم

تشهد الساحة السياسية العراقية حالة من التحول الحذر، وسط مؤشرات متزايدة على تغيّر المزاج الشعبي، لا سيما بين فئة الشباب، تجاه الطبقة السياسية التقليدية. وبينما تتصاعد الدعوات إلى الإصلاح من داخل البرلمان، فإن الشارع بات يلعب دورًا متزايدًا في إعادة صياغة المشهد السياسي العراقي.

فقدان الثقة بالبرلمان

منذ الانتخابات الأخيرة، بدا واضحًا أن شريحة واسعة من المواطنين، خاصة الشباب، فقدت ثقتها بالمؤسسة التشريعية التي لطالما اُعتُبِرت مركز التغيير. يقول الشاب مرتضى عبد الحسين، طالب في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد: “البرلمان صار رمزًا للعجز، لا نرى قوانين تمسّ حياتنا، ولا رقابة على الفساد”.

وقد انعكس هذا التململ في نسب المشاركة المتدنية في الانتخابات، وارتفاع معدل الأصوات البيضاء أو المُلغاة، ما يعكس حالة عزوف سياسي لا تخفى على المراقبين.

مشهد جديد في الشارع

على الأرض، ظهرت خلال العامين الماضيين عشرات الحركات الشبابية التي ترفع شعارات مدنية، وتطالب بتغيير دستوري، وانتخابات نزيهة، ومحاسبة الفاسدين. هذه الحركات وإن كانت غير منظمة في الغالب، إلا أنها تعبّر عن تيار اجتماعي آخذ في الاتساع.

يقول الباحث السياسي د. منتظر الجبوري: “نحن أمام ولادة وعي سياسي جديد، يعتمد وسائل غير تقليدية في التعبير عن رأيه، مثل حملات التيك توك، والبودكاست، والمبادرات المحلية. هذه أدوات الجيل الجديد الذي لم يعد يثق بخطابات الزعامات القديمة”.

المعارضة البرلمانية: صوت ضعيف؟

في الوقت نفسه، تعاني المعارضة داخل البرلمان من ضعف واضح. فالكتل التي تصف نفسها بالمستقلة أو الإصلاحية لم تتمكن حتى الآن من تشكيل جبهة برلمانية متماسكة، ما جعلها عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي في سياسات الحكومة.

يقول مصدر برلماني (طلب عدم كشف اسمها): “نحن نعمل في بيئة مليئة بالتحالفات الطائفية والمصالح الحزبية الضيقة. نحتاج إلى ضغط شعبي حقيقي من الشارع حتى يكون لنا تأثير فعلي”.

مظاهر التغيير: شباب يطرقون أبواب السياسة

رغم هذه التحديات، دخل عدد من الشباب إلى الحياة السياسية، إما كمرشحين مستقلين أو كمستشارين في بعض الوزارات. وفي أكثر من محافظة، نجح بعضهم في الفوز بمقاعد داخل مجالس المحافظات أو العمل ضمن مشاريع خدمية بإشراف منظمات دولية.

أحد هؤلاء هو حيدر اللامي، (27 عامًا)، الذي أسس مبادرة تطوعية لإصلاح المدارس في مدينة الكوت. يقول: “العمل الخدمي هو السياسة التي يفهمها الناس. لا نحتاج إلى خطب، بل إلى نتائج ملموسة”.

دور المرأة الشابة

تلعب النساء الشابات أيضًا دورًا متصاعدًا في هذه الديناميكية الجديدة. فقد ظهرت أصوات نسوية قوية تطالب بإصلاحات قانونية ومجتمعية، وشاركت في احتجاجات، وكتبت مقالات رأي حازت على تفاعل واسع.

تقول الناشطة زهراء الكناني: “الجيل الحالي من النساء لم يعد يقبل أن يكون على الهامش. نحن جزء من صناعة القرار، وسنطالب بذلك بكل السبل المتاحة”.

الإعلام الرقمي: ساحة المواجهة

منصات مثل فيسبوك، تيك توك، وتويتر، أصبحت منابر حقيقية للخطاب السياسي البديل. حملات رقمية عدة أُطلقت خلال الأشهر الماضية فضحت قضايا فساد، وسلّطت الضوء على ملفات منسية.

المراقب الإعلامي حسان التميمي يرى أن “منصات التواصل لم تعد مجرد وسائل تعبير، بل أدوات تعبئة وتوجيه سياسي. السياسيون التقليديون لم يدركوا بعد قوة هذه المنصات”.

أين تتجه الأمور؟

رغم ما سبق، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل يتمكن الشباب من خلق بديل سياسي حقيقي؟ هل يستطيعون تنظيم أنفسهم ضمن كيانات فاعلة؟ أم أن النظام السياسي الحالي أقوى من أن يسمح بذلك؟

البعض يرى أن التحول قادم لا محالة، ولكن بوتيرة بطيئة. فيما يرى آخرون أن التغيير يحتاج إلى وقت وإلى تحولات ثقافية تسبق أي إصلاح سياسي.

العراق يقف على أعتاب تحوّل سياسي اجتماعي تقوده فئة الشباب، وإن كان ذلك لا يزال في بداياته. البرلمان يفقد بريقه، والشارع يفرض إيقاعًا جديدًا. ومع تنامي أدوات التعبير الرقمي، وتزايد المبادرات المدنية، قد نكون أمام خارطة سياسية جديدة تكتب بأيدٍ شابة، من خارج القوالب الحزبية والطائفية.

لكن يبقى السؤال: هل النظام السياسي الحالي مستعد لسماع هذا الصوت، أم أن التصادم قادم؟