خاص – يعيش العراق هذه الأيام أزمة مائية تُعد الأخطر منذ عقود، مع انخفاض حاد في منسوب نهري دجلة والفرات وتراجع معدلات الأمطار بشكل لافت. هذه الأزمة دفعت المسؤولين والخبراء إلى إطلاق تحذيرات بشأن مستقبل الأمن المائي في البلاد، مؤكدين أن العراق بات فعليًا في قلب أزمة جفاف قد تتفاقم خلال السنوات القادمة.
تصريحات رسمية: تحذيرات وزارة الموارد المائية
في تصريح حديث، أكد وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله أن العراق يمر بأصعب سنة مائية منذ قرابة قرن، مشيرًا إلى انخفاض الإيرادات المائية من دول الجوار، وتراجع المخزون الاستراتيجي إلى مستويات مقلقة للغاية.
وأوضح الوزير أن البلاد تعتمد حاليًا بشكل شبه كلي على المخزون المتوفر في السدود والخزانات، والذي انخفض إلى أقل من 10% من سعته التخزينية الكاملة. كما بيّن أن نسبة تدفق نهري دجلة والفرات بلغت أقل من 27% من معدلاتها الاعتيادية، وهو ما يُنذر بعجز مائي حاد خلال موسم الصيف.
وأضاف ذياب أن الوضع المائي يتطلب تعاونًا إقليميًا ودوليًا، مشيرًا إلى أن العراق بدأ دراسات فنية لإنشاء عشرة سدود جديدة لحصاد مياه الأمطار والسيول، في محاولة لتعزيز الأمن المائي في المناطق المعرضة للجفاف.
الواقع بالأرقام:
- انخفاض نسبة المياه المخزونة إلى نحو 8% فقط من الطاقة الكاملة.
- تقليص الخطة الزراعية في معظم المحافظات.
- اعتماد شبه كامل على المياه الجوفية في بعض المناطق الجنوبية.
- هبوط حاد في مستويات الأمطار مقارنة بالسنوات السابقة.
آراء الخبراء:
د. ليان الأنبارى – خبيرة بيئة ومياه: تؤكد د. ليان أن الأزمة الحالية هي نتيجة مباشرة للتغيرات المناخية وسوء الإدارة المائية. وتضيف: “ما لم نتحرك نحو استراتيجيات واضحة مثل تقنيات إعادة استخدام المياه، وزيادة السعة التخزينية، فسيكون المستقبل المائي للعراق في خطر حقيقي.”
جاسم عمر – مهندس ومستشار زراعي: يقول جاسم إن الحل يكمن في التحول نحو أنظمة ري حديثة مثل الري بالتنقيط والرذاذ، والتي من شأنها أن تقلل من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 50%. لكنه يشير إلى أن هذا يتطلب دعمًا حكوميًا واستثمارًا في تدريب المزارعين.
فرح السعدي – ناشطة بيئية من الجنوب: تشير فرح إلى أن الوضع في البصرة والجنوب بات مأساويًا، مع انتشار ظاهرة المياه المالحة وجفاف بعض الينابيع. وتطالب بخطة طوارئ فورية تشمل توفير مياه الشرب ومحطات التحلية، إلى جانب تعويض الفلاحين المتضررين.
عوامل الأزمة:
- انخفاض الأمطار: العراق يعاني من تراجع ملحوظ في كميات الهطول المطري السنوي، وهو ما أدى إلى ضعف في تغذية الأنهار والمياه الجوفية.
- السدود في دول الجوار: بناء السدود من قبل تركيا وإيران أدى إلى تقليص تدفق المياه إلى داخل الأراضي العراقية بنسبة كبيرة.
- غياب الإدارة المائية: يُعاني العراق من بنية تحتية مائية متهالكة، وعدم كفاءة في توزيع المياه، إلى جانب الاعتماد الزائد على طرق الري التقليدية.
- الزحف السكاني والتصحر: توسّع النشاط الزراعي غير المنظم، بالإضافة إلى الزحف السكاني نحو المناطق الزراعية، أدى إلى استنزاف الموارد المائية.
المبادرات الحكومية:
- الإعلان عن خطط لإنشاء عشرة سدود جديدة لحصاد مياه الأمطار والسيول.
- إطلاق مشاريع مشتركة مع منظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO) بقيمة 39 مليون دولار، لتعزيز مرونة المجتمعات الريفية تجاه التغير المناخي.
- بدء برامج للتوعية بالزراعة الذكية واستخدام تقنيات الري الحديثة.
التوصيات:
- تفعيل الدبلوماسية المائية: التفاوض مع دول الجوار للحصول على حصة عادلة من المياه.
- تحسين البنية التحتية: تطوير السدود والخزانات وشبكات توزيع المياه.
- التحول إلى أنظمة الري الحديثة: دعم الفلاحين في الانتقال من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط.
- إدارة الموارد الجوفية: مراقبة الاستخدام العشوائي للمياه الجوفية وحمايتها من التلوث.
- تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك المواطنين في برامج الترشيد والرقابة على الهدر.
المشهد المائي في العراق يبدو قاتمًا، وفقًا للتقارير الرسمية وشهادات المختصين. لكن الأمل ما زال قائمًا إذا ما تم تنفيذ سياسات مائية شاملة، تقوم على الإدارة الرشيدة، والتعاون الإقليمي، والاستثمار في التقنيات الحديثة. الجفاف لم يعد مجرد خطر مستقبلي، بل هو واقع يفرض على العراق إعادة التفكير في أمنه المائي بشكل جذري وعاجل.

