التأمل والإدراك وجهان لرحلة واحدة

شارك الخبر

فدى الحاج – ليست العلاقة بين التأمل والإدراك خطًّا مستقيمًا، بل هي دائرة يتغذّى فيها كلّ طرف من الآخر.
حين يغوص المرء في التأمل، يتجاوز حدود الفكر والمشاعر، ويصل إلى منطقة الوضوح، حيث تنجلي الأشياء على حقيقتها. هناك، في لحظةٍ لا زمنية، ينبثق التماس الذات، وتظهر لك حقيقة كانت محجوبة خلف ضباب التكرار.
حين يتأمل الإنسان، فإنه يتوقف عن اللهاث خلف الأسباب، ويبدأ في الإنصات. لا إلى الآخرين، بل إلى نبضه، إلى أنفاسه، إلى صمته. وهناك، في ذلك الصمت الممتلىء، تتكشف طبقات خفية من النفس، كانت مختبئة خلف ضجيج اليومي.
التأمل هو الخطوة الأولى نحو العمق، نحو تفكيك الصور المعلّبة، وإعادة تشكيل العلاقة بالذات وتحديدها.

إذ ما إن يكشف لك شيئًا كان موجودًا وغائبًا في الوقت نفسه، حتى تنشأ أسئلة جديدة، أشبه بتنفس داخلي: شهيق من التأمل، وزفير من الإدراك… ثم تغوص بعدها في شهيق لا نهاية له.

ربما يأتيك الإدراك كنافذة تُفتح فجأة على مشهد لم تره من قبل، مع أنه كان دومًا أمام عينيك. تتبدل فيها زاوية الرؤية، وتزول الغشاوة، فتُمنح الأشياء معاني جديدة.

بين زيف اللحظات وضجيج الناس، تظل لحظة التأمل الصادقة قادرة على إعادتك إليك، وومضة الإدراك قد تنقذك من عمرٍ كامل عشته بعيدًا عن نفسك.

أحيانًا ننسى أن الإدراك لا يُولد في الزحام، بل في لحظة صدق مع النفس. لحظة تأمل قد تفتح بصيرةً، وتغيّر مسارًا. ليست الدعوة إلى التأمل ترفًا فرديًا، بل ضرورة مجتمعية عاجلة.


ما أثقل أن يعيش الإنسان غريبًا عن روحه… وما أجمل أن يلتقي بها، ولو متأخرًا.