الانتخابات.. سباق أم معركة؟

شارك الخبر

حليم سلمان – الانتخابات في العراق، منذ 2005 وحتى اليوم، تعكس مزيجًا معقدًا بين السباق الانتخابي والمعركة الانتخابية.
فمن الناحية النظرية، الانتخابات محكومة بقوانين وتشريعات تنظّم الدعاية، الترشيح، والاقتراع، ما يجعلها أقرب إلى السباق الديمقراطي، إذ يتنافس المرشحون ضمن أطر محددة ومعروفة، لكن الواقع على الأرض يفرز جهات سياسية تجعل المشهد أكثر سخونة وأقرب إلى “المعركة” بمعناها السياسي والاجتماعي.
الصورة المثالية للمشهد الانتخابي، ميدان يتنافس فيه المتسابقون على إقناع الناخبين بالبرامج والخطط، باستخدام أدوات مشروعة، كالحملات الإعلامية والمناظرات والحوار المباشر.
في التجربة العراقية، هناك بالفعل جوانب من هذا المشهد، خاصة في المدن التي تتمتع بقدر أكبر من الوعي السياسي والاجتماعي. الأحزاب تُطلق برامج انتخابية، والمرشحون ينظّمون لقاءات جماهيرية، وتُستخدم وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي للترويج للأفكار والبرامج، بالرغم من عدم تمكن المرشح من تشكيل اتصال واضح مع الجمهور، إلا أن العملية تبدو مقبولة، وذلك لحداثة الممارسة الديمقراطية في بلادنا.
الواقع يقول إن الانتخابات كثيرًا ما تتحول إلى معركة، كيف؟ الصراع لا يقتصر على إقناع الناخب بالبرامج، بل يمتد إلى حد الخلاف و”العراك” على النفوذ، وربما إعادة رسم خريطة القوى السياسية بما يتناسب وحجم الامتيازات.
في هذا السياق لاحظنا، وفي أكثر من دورة انتخابية، اتهامات بالتزوير، وضغوطًا على الناخبين، وتدخلات خارجية، بل وأحداث عنف متفرقة.
وبطبيعة الحال، هذا الطابع “المعركي” يجعل الانتخابات في العراق، من قت لآخر، جزءًا من صراع أوسع على شكل الدولة وتوجهاتها، وليس بالضرورة يندرج ضمن إجراء دوري لتجديد الشرعية للنظام. فالفوز لا يعني فقط الحصول على مقاعد في البرلمان، بل يتعداه إلى التحكم في القرارات السياسية والاقتصادية التي تمس مستقبل البلاد، وهذا الأمر برمته يزيد من حدة المنافسة بطابعيها (السباقي والمعركي).
بالمحصلة، ومنذ أولى التجارب الديمقراطية الانتخابية، وما رافقها من إرهاصات وظروف عصفت بالبلاد، يمكن القول إن الانتخابات تتركز في منطقة “رمادية” بين السباق والمعركة. فهي من جهة آلية دستورية قانونية لتنظيم التنافس لتشكيل مجلس النواب، ومن جهة أخرى تبدو ساحة نزال سياسي تتجاوز حدود العمل البرنامجي إلى اختبار إرادات داخلية وخارجية.
لذلك، ولتصحيح الأخطاء المزمنة، أصبح حريًا إدخال المزيد من الشفافية، وتعزيز استقلالية مفوضية الانتخابات، ورفع وعي النّاخب و المنتَخَب، وتفعيل قانون الأحزاب، (يلزم الأحزاب بالكشف عن مصادر تمويلها)، وهذه كلها خطوات قد تدفع العملية الانتخابية لتقترب أكثر من “السباق” النزيه وتبتعد عن “المعركة” المرهقة، التي تستنزف الدولة والمجتمع.