منار العبيدي – بلغت استيرادات العراق من الذهب خلال عام 2024 نحو 12.5 مليار دولار، ما يعادل قرابة 16% من إجمالي الاستيرادات للبلاد. وبحسب متوسط أسعار الذهب خلال العام، فإن هذه القيمة تعني أن العراق استورد أكثر من 120 طناً من الذهب.
في المقابل، يبلغ احتياطي البنك المركزي العراقي من الذهب حوالي 18 مليار دولار فقط، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة عن مصير هذه الكمية المستوردة.
لا توجد حتى الآن بيانات دقيقة وشفافة عن المسار الذي سلكه هذا الذهب بعد دخوله إلى العراق. بعض التقارير تشير إلى أن ما يزيد عن 60 طناً من الذهب دخل عبر المنافذ الجوية لإقليم كردستان، فيما لم تُعلن المنافذ التابعة للحكومة المركزية عن حجم الذهب الداخل من خلالها.
أين ذهب الذهب؟
يمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة لوجهة هذه الكمية الكبيرة من الذهب في ثلاثة مسارات رئيسية:
1. الاستهلاك الداخلي كأداة استثمارية بديلة عن الدولار:
مع تراجع قيمة الدولار أمام الذهب، اتجه العديد من المستثمرين – صغاراً وكباراً – نحو الذهب كخيار آمن. هذا التحول ربما ساهم في تراجع حجم الودائع لدى البنوك العراقية، وأثر على قيمة الدولار مقابل الدينار بسبب الإقبال المتزايد على الذهب كأصل استثماري.
2. إعادة التصدير إلى دول مجاورة مثل تركيا:
نظراً لوجود فروقات سعرية بين العراق والدول المجاورة، ولا سيما تركيا، قد يكون بعض التجار استغلوا السعر الرسمي للدولار في العراق لاستيراد الذهب وإعادة تصديره إلى تلك الدول بربحية أعلى من الاستيراد المباشر.
3. استخدام الذهب كوسيلة مقايضة مع إيران:
في ظل غياب قنوات مصرفية للتعامل مع إيران، قد يكون جزء من الذهب المستورد استُخدم في المقايضة التجارية مقابل استيراد سلع وبضائع إيرانية، وهو سيناريو محتمل في ضوء حجم التبادل غير النقدي بين البلدين.
هذه الاحتمالات ما زالت في إطار التحليل، ولا تتوفر أدلة مؤكدة تدعم أياً منها. لكن المؤكد أن استيراد العراق لما يفوق 12 مليار دولار من الذهب في عام واحد – وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف معدل استيراداته السنوية المعتادة (التي لم تتجاوز 4 مليارات دولار في السنوات السابقة) – يستدعي مراجعة دقيقة للبيانات الرسمية، ليس فقط من الجانب العراقي، بل أيضاً عبر تتبع بيانات التجارة الخارجية في الدول المعنية.
إن فهم مسارات هذا الذهب وغايات استخدامه يمثل خطوة أساسية لتصحيح الاختلالات المحتملة، وضمان أن لا تتحول تجارة الذهب إلى ثغرة تستنزف الموارد وتفاقم المشكلات الاقتصادية.

