موقف المشرّع من جريمة زنا الزوجية؟

شارك الخبر

المعاون والخبير القضائي ليث خضير الدفاعي – بعد تلبس الزوجة بجريمة الزنا، قام الزوج بتحريك شكوى ضدها وضد شريكها، إلا أن تدخل أهل الشريك والضغوط العشائرية أثّرت عليه، مما دفعه إلى التنازل عن الشريك الذي زنا بزوجته. فما هو مصير الدعوى بحق الزوجة؟

نظرًا لكثرة الحالات المشابهة التي تُعرض أمام القضاء، سنناقش موضوع المقال تحت عنوانه أعلاه. وبما أن الشكوى حق للمُتضرر، فإن التنازل عنها يُعدّ حقاً لا يقل أهمية عن الشكوى ذاتها. وقبل الخوض في صلب الموضوع، سنتطرق إلى غاية المشرّع من استثناء هذه الجريمة من غيرها من الجرائم، لا سيما أن جريمة الزنا تُعدّ من الجرائم التي تتعلق بالحق الشخصي، كما ورد في المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ يُعتبر الحق فيها خاصًا بالزوج المتضرر.

إن فعل الزنا ليس مجرّمًا في القانون العراقي بذاته، ما لم يكن أحد طرفيه قاصرًا أو غاصبًا أو متزوجًا، أو لم يكن الفعل فاضحًا علنًا. وعندما يكون أحد الطرفين متزوجاً، يكون فعله مخالفاً للقانون ويُعتبر مضرًا بزوج الطرف المتزوج. ويمنح القانون الحق لكل من الزوج أو الزوجة في تقديم الشكوى. فهل ميّز القانون بين الزوج والزوجة في هذه الجريمة؟

رغم أن القانون استخدم مصطلح “الزوج”، قاصدًا به الجنسين (الزوج والزوجة)، كما ورد في المادة 378 من قانون العقوبات، إلا أن المادة 377 فرّقت بين الزوجين من حيث وقوع الفعل؛ إذ لم يشترط وقوع الزنا من الزوجة في منزل الزوجية، بينما اشترط ذلك إذا كان الزاني هو الزوج. كما منح القانون الحق للزوج في تحريك الشكوى ضد زوجته الزانية خلال مدة أربعة أشهر من تاريخ طلاقها، بينما لم يمنح هذا الحق للزوجة، كما هو مذكور في المادة 378/ثانياً.

وقد ميز المشرّع هذه الجريمة أيضًا من ناحية تحريك الدعوى، كما جاء في المادة 4/ب من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي نصت على:
“إذا تعدد المتهمون وكانت الشكوى مقدمة ضد أحدهم، فتُعتبر مقدمة ضد المتهمين الآخرين، إلا في جريمة زنا الزوجية، فلا تُحرك الدعوى ضد الشريك ما لم تقدم الشكوى ضد الزوج الزاني أو الزوجة الزانية.”
هذا من ناحية تحريك الشكوى، أما من ناحية التنازل، فهل فرّق القانون بين الزوج الزاني والزوجة الزانية؟

بما أن التنازل عن الشكوى في جريمة زنا الزوجية يُعدّ استثناءً، وفقاً للمادة 9/هـ من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، والتي نصت على أنه:
“في حال تعدد المتهمين، فإن التنازل عن أحدهم لا يشمل المتهمين الآخرين، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.”
وقد نص قانون العقوبات العراقي على خلاف ذلك، في المادة 379/1، حيث اعتبر في فقرتها الأخيرة أن تنازل الزوج عن محاكمة زوجته الزانية يُعدّ تنازلاً منه عن محاكمة من زنا بها، لكي لا يكون ذلك ذريعة للانتقام من شخص عن طريق استغلال هذا الفعل. ولأن الأمر يخص الجانب العائلي، فإن رضا الزوج بزوجته الزانية يمحو علة التجريم.

كما ورد في المادة 4/ب من قانون الأصول:
“لا تُحرك الدعوى ضد الشريك ما لم تقدم الشكوى ضد الزوج الزاني أو الزوجة الزانية.”
وهنا نلاحظ أن العلاقة بين الشريك والزوج في هذه الجريمة لصيقة، وقد ورد النص على سبيل الحصر، إذ لم يذكر القانون أن تنازل الزوجة عن زوجها يُعدّ تنازلاً عن من زنا بها. ويُفهم من استخدام مصطلح “الزوج” أنه لم يشمل الزوجة، وهو ما يثير التساؤل: هل يُعدّ هذا نقصاً في التشريع أم أن له غاية مقصودة؟ إذ لم نجد حكمة واضحة من هذا التمييز.

وهنا يبرز سؤال: بما أن المشرّع اعتبر تنازل الزوج عن محاكمة زوجته الزانية تنازلاً عن محاكمة من زنا بها، فهل العكس صحيح؟ أي: هل يعتبر تنازل الزوج عن من زنا بزوجته تنازلاً عن زوجته الزانية؟

هذا السؤال يعيدنا إلى المادة 9/هـ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تتحدث عن التنازل بصورة عامة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وبما أن قانون العقوبات نص فقط على أن تنازل الزوج عن زوجته يُعد تنازلاً عن الشريك، ولم يذكر العكس، فإن هذا يعني أن التنازل عن الشريك لا يُعتبر تنازلاً عن الزوجة الزانية. وذلك لخصوصية هذه الجريمة، إذ إن رضا الزوج عن من زنا بزوجته لا يُعدّ رضاً عن زوجته، ولا يُعتبر مصالحة معها.

بالتالي، فإن التنازل حق، وقد استخدم الزوج حقه في التنازل عن الشريك، ولا يوجد مانع أو نص في القانون يُفسر هذا التنازل على أنه يشمل زوجته.

ويبقى السؤال: لماذا تعامل المشرّع مع هذه الجريمة بشكل خاص، وميّز بين الزوج والزوجة؟

الجواب يكمن في الواقع الاجتماعي، إذ أن المجتمع يتعامل مع الزوجين بطريقة مختلفة من حيث الدوافع لارتكاب الفعل. فدافع الزوجة في الزنا يُنظر إليه كغيرة، بينما يُنظر إلى دافع الزوج على أنه شرف، والمجتمع ينظر إلى الزوج ضمن دائرة الشرف، بخلاف الزوجة. حتى من حيث القتل بدافع غسل العار، لم يتعامل المشرّع مع الزوجة كما تعامل مع الزوج، حيث خفف العقوبة عن الزوج الذي يقتل زوجته بدافع غسل العار لتأثره بالمجتمع، بينما لم يخفف العقوبة عن الزوجة التي تقتل زوجها في حال تلبسه بالزنا، لأن دافعها هو الغيرة، وليس دافع الشرف، ولا يُعدّ ذلك مبرراً للتخفيف من العقوبة.