بغداد – خاص
أثار قرار مجلس الوزراء العراقي الأخير القاضي بتمليك الأراضي الزراعية التي أُنشئتعليها وحدات سكنية، وتحويل جنسها إلى أراضٍ سكنية، موجة واسعة من الجدل بينمؤيديه الذين يرونه حلاً واقعياً لأزمة السكن المتفاقمة، ومعارضيه الذين يحذّرون منتداعياته البيئية والقانونية.
القرار، الذي فُسّر على أنه استجابة مباشرة للواقع السكاني والعمراني المتغير، نصّ علىإمكانية تمليك الأراضي الزراعية لشاغليها مقابل رسوم مالية، شريطة أن تكون مشغولةفعليًا ومشيدة عليها أبنية ثابتة. كما ألزم الجهات البلدية والدوائر المعنية بإتمامإجراءات التصميم والتخطيط خلال فترة محددة، مع فتح باب التقديم للمواطنين لمدة90 يومًا فقط.
أزمة السكن.. ذريعة أم دافع مشروع؟
بحسب تصريحات رسمية، فإن الهدف من القرار هو احتواء مشكلة العشوائيات التيباتت تنتشر في أطراف المدن الكبرى، خاصة بغداد والبصرة والنجف، حيث تحوّلتآلاف الدونمات الزراعية إلى مناطق سكنية غير نظامية. ويقول أحد مسؤولي البلديات:
“لا يمكن إنكار الواقع. آلاف العوائل تسكن منذ سنوات في هذه الأراضي دون خدمات أوسندات، والقرار يمنحهم أملاً في الاستقرار والتنظيم.”
ويرى اقتصاديون أن تمليك الأراضي سيدخل ملايين الدنانير إلى ميزانية الدولة منخلال رسوم التحويل، وقد يسهم في تحفيز السوق العقارية وتنشيط حركة الإعمار، إذاما تم تنفيذه ضمن خطة عمرانية مدروسة.
تحذيرات من التبعات البيئية والقانونية
في المقابل، يحذّر خبراء في البيئة والتخطيط من خطورة التوسع السكاني على حسابالرقعة الزراعية. فالعراق، الذي يواجه أصلاً تحديات في الأمن الغذائي والتصحر، قديدفع ثمناً باهظًا إذا ما استمر تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية دون ضوابط.
الخبير الزراعي الدكتور جاسم علوان صرّح لـ”الصباح”:“نحو 60% من الأراضي الزراعيةفي محيط بغداد تحوّلت إلى سكن عشوائي. إذا استمر الحال بهذا الشكل، سنخسر ماتبقى من الزراعة المحلية، وسنزيد من اعتمادنا على الاستيراد.”
قانونيًا، يواجه القرار تحديًا جوهريًا، يتمثل في قانون رقم 117 لسنة 1970، الذي يشترطموافقة “المالك الأصلي” للأرض قبل التمليك. وهو ما يجعل الكثير من الطلبات مهددةبالرفض، خاصة وأن العديد من هذه الأراضي تعود ملكيتها إلى جهات غير معروفة أومنتهية الصلاحية.
بين التمليك والعدالة الاجتماعية
رغم التحديات، يرى مراقبون أن القرار يعكس محاولة لإيجاد توازن بين الواقع السكانيوالانفلات العمراني، مشيرين إلى أن ترك الأمور على حالها يعني المزيد من العشوائيات،بينما التنظيم قد يفتح الباب أمام تحسين البنى التحتية والخدمات.
لكنهم في الوقت ذاته يحذرون من أن يتحول القرار إلى باب خلفي لتبييض الأراضيالزراعية والتلاعب العقاري، أو يُستغل انتخابياً، خاصة مع اقتراب مواسم الاستحقاقاتالسياسية.
المواطن في المنتصف
في أحياء مثل الحسينية والمعامل وحي طارق، ينتظر آلاف المواطنين تعليمات التنفيذ،وسط ارتباك قانوني واضح. أبو حسين، أحد سكان الأراضي الزراعية في أطراف بغداد،يقول: “نحن هنا من 15 سنة. بنينا بيوتنا بعرقنا. إذا الدولة تريد تنظم الأمور وتسوّي لناسند طابو رسمي، إحنا أول المؤيدين. بس نخاف يجي القرار ويروح مثل اللي قبله.”
قرار تمليك الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكني قد يكون خطوة شجاعة لمعالجة أزمةمزمنة، لكنه بحاجة إلى رؤية متكاملة، تبدأ بتشريع قانون يُنظّم العلاقة بين المواطنوالدولة، ولا تنتهي إلا حين تضمن العدالة الاجتماعية، وتحافظ في الوقت ذاته على أمنالعراق الزراعي والبيئي.