تبادل خبرات: عراقي يتعلم يفتح مطعم.. ولبناني يتعلم يفتح بئر نفط!

شارك الخبر

علي كريم إذهيب – في عالم طبيعي، الناس تبحث عن شراكات تحقق مصالح مشتركة: دولة عندها فائض نفط تعطي خبرة لدولة تفتقر إليه، ودولة عندها سياحة وفنادق تنقل تجربتها للي محتاجها. لكن بما أننا نعيش في الشرق الأوسط، فالأمور تجري “بالمقلوب” دائماً، حيث تتحوّل الحاجات إلى نكات، والاتفاقيات إلى مواد ساخرة.

آخر إبداع رسمي: وزير العمل اللبناني يعلن عن اتفاق مع العراق يقضي بأن يتدرّب الشباب العراقيون في مجال المطاعم والفنادق، بينما يتدرّب اللبنانيون في قطاع النفط العراقي.

يعني العراقي راح يدرس فنون “التبسي والكباب”، واللبناني راح يصير “خبير تنقيب”.

خلوني أسأل سؤال بريء:

العراق اللي موازنته كلها نفط، ليش ما يدرّب شبابه على النفط ويشغّلهم به؟ ليش لازم يعلّمهم كيف يمسكون صينية ويقولون “تفضّل استاذ”؟

واللبنان اللي غارق بالديون وما عنده برميل نفط واحد، شراح يستفيد من دورة تنقيب بالبصرة؟ يروح يحفر جنب البحر عسى ولعل يطلع بئر تحت شاطئ جونية؟

هذا الاتفاق يذكرني بفيلم كوميدي رخيص: طالبين بدّلوا دفاترهم بالغلط. العراقي رجع للبيت بدفتر “طبخ شرقي”، واللبناني رجع بدفتر “هندسة آبار”. لكن لما يجي الامتحان، الاثنين ينرسَبون لأن لا هذا عرف يطبخ ولا ذاك عرف يشتغل نفط.

المصيبة ليست في الاتفاق وحده، بل في العقلية التي تنتجه. المسؤول العراقي بدل ما يفتح أبواب حقول النفط لشبابه، يغلقها بحجة “ماكو درجات وظيفية”، ويرميهم باتجاه المطاعم والفنادق وكأن البلد كله صار قاعة أعراس. والمسؤول اللبناني، اللي بلده يفتقر حتى للمازوت، يتصرّف وكأنه شريك نفطي استراتيجي!

الأسوأ من هذا كله أن هذه الصفقة تُقدَّم لنا كـ”إنجاز تاريخي”، ويقف المسؤولون أمام الكاميرات وهم يبتسمون بفخر، بينما الحقيقة أن الاتفاق لا يساوي ورقة منسية على طاولة بيروقراطية.

يا جماعة، إحنا مو ضد التدريب ولا ضد التعاون، لكن المنطق يقول: خلّوا العراقي يتدرّب على ثروته الطبيعية أولاً، وخلّوا اللبناني يتدرّب على ما يملكه فعلاً. أما أن نعلّم العراقي كيف يشوي كباب، ونعلّم اللبناني كيف يحفر بئر نفط، فهذه نكتة سوداء على حساب الشعوب.

وإذا استمرّ هذا الخط، فلا تستغربوا إذا سمعتم غداً:

“تبادل خبرات: مصري يتدرّب على التزلّج في بغداد، وعراقي يتدرّب على الزراعة في الهرمل.”

هكذا ببساطة، تتحوّل مشاكلنا الجادّة إلى مسرحيات عبثية، ويُترك الشباب في دوامة البطالة بانتظار دورهم في كوميديا السياسة.